سلطان بن علي العويس واحد من شعراء الجزيرة العربية، رحل سنة ألفين، لكنه ظل حاضرا بإبداعه. ترك مجموعته الشعرية الكاملة التي تتراوح بين بيت منفرد، وعشرات الأبيات، معتمدا على التكثيف في اللغة والتصوير، بعيدا عن المطولات الشعرية. ولعل قصائد الغزل وأبياته هي ما يأسر القارئ بعذوبة اللغة ورقة الشاعرية وتفوق الصورة. ويمكن تذكر قصائد مثل «فراق»، و»سجدة الشوق»، مثالا على ذلك. وإذا كان الإبداع سر الخلود لكثير من الأدباء، فإن العويس حقق الخلود من طرفيه، الإبداعي عبر دواوينه الشعرية، والمؤسسي من خلال مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية. وهي واحدة من أبرز المؤسسات الثقافية التي تساهم بشكل فعال في الحراك الثقافي. وإذا كانت دبي هي المقر الجغرافي للمؤسسة، فإن خارطة الوطن العربي الكبير تحتضن كثيرا من أنشطتها وتتفاعل مع جهودها. انطلقت جائزة العويس الثقافية، قبل ربع قرن وتحولت إلى مؤسسة ثقافية لضمان الاستقرار والاستمرار. تمنح الجائزة كل عامين، في مجالات أربع هي: جائزة الشعر، جائزة القصة والرواية والمسرحية، جائزة الدراسات الأدبية والنقد، وجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية. وهي جوائز تمنح للمنتج الإبداعي والبحثي بكامله. والجائزة حين تمنح للفائزين، فإنها تأتي تتويجا لرحلة العمل المتواصل لديهم، التي تمتد إلى عقود. حين يفوز بالدورة الثانية عشرة للجائزة كل من الشاعر محمد علي شمس الدين، والروائية رضوى عاشور، والناقد فيصل دراج، والمؤرخ عبدالعزيز الدوري، فإننا أمام قامات عربية، نذرت نفسها وجهدها لخدمة الثقافة العربية. يضاف إلى ذلك جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي، التي لا تخضع للتحكيم، لكنها تأتي تكريما خاصا من مجلس أمناء المؤسسة، حيث اختار في هذه الدورة الروائي أمين معلوف، الذي اتخذ من اللغة الفرنسية جسرا للوصول إلى قراء العالم. الجائزة لا تقبل الترشيح إلا للأحياء، لأنها أرادت تكريم الأشخاص في ذواتهم. وقد يحدث أن تمنح الجائزة لمن اختاره الله إلى جواره، كما حدث هذا العام مع المؤرخ الدكتور عبدالعزيز الدوري، لكن ترشيحه كان في حياته. ولعل المتابع والمشارك في أي من دورات الجائزة، سيعتز كثيرا بالحيادية الكبيرة التي تعيشها الجائزة، وبتهيئة المناخ المناسب لمحكميها، ليُبدوا وجهات نظرهم في المرشحين، بأسلوب علمي رصين، حتى يصلوا إلى الإجماع الإيجابي على أحقية من تم اختيارهم. والجائزة من أقدم الجوائز التي تعبر العالم العربي من خليجه إلى محيطه، غير أنها تعكس بهدوئها وتواضعها أسلوب مؤسسها وطريقة حياته. وإذا كان الشاعر سلطان العويس قد خلف لقراء العربية شعرا يستحق الترديد، فقد ترك لزملائه المبدعين إرثا من التقدير عبر هذه الجائزة. في الأسبوع الماضي احتفلت الجائزة ومعها العشرات من الأدباء والمثقفين حضورا، والآلاف متابعة عبر الوطن العربي، وخارجه، بيوبيلها الفضي، الذي عكس رساخة التجربة، والقيمة الثقافية التي تصنعها الجائزة للثقافة العربية. وستظل الجائزة والمؤسسة علامة مضيئة في سماء الفكر والإبداع العربي. التحية لها بعيدها الفضي، والتقدير لمجلس إدارة المؤسسة، وأمينها العام المبدع عبدالحميد أحمد، وآمال عراض بمزيد من الخلود والحضور الأقوى.