إذا كان التقدم حتمياً، وهدفاً لكل أمة، فالسؤال الذي يجب أن يطرح عندئذ: لماذا تأخر العرب والمسلمون طوال هذه القرون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟ وكيف يمكن أن ينجحوا في الانخراط من جديد في دائرة التقدم الحضاري؟ إنَّ النهضة التي تمثل الصعود من درجة إلى أخرى أعلى منها، فهي تعني إيصال العرب إلى مستوى الحضارة الكونية، وهذا يحدث بتحليل جوهر الحضارة، مما يسمح لنا أن نتعلمها ونتمثلها. إنّ الذي يميز النهضة عن الحداثة، هو أن الحضارة متجددة بشكل تلقائي ويومي، ويجري حالياً انتقال لأنماط الحياة والسلوك الغربي إلى المجتمع العربي دون تمييز. وهذه الأنماط ليست من جوهر الحضارة و أسسها. فالنهضة تهتم بتحديد الأولويات، وتصيغ استراتيجية للعمل الجماعي، وتحدد معايير للاختيار بين المخبر والجوهر، والصالح والطالح. وبمعنى آخر، فالنهضة فيها عقلنة للحداثة الوافدة إلى العالم العربي، ومن الطبيعي أن تخضع هذه العقلنة لمعايير اجتماعية وأخلاقية. إن أولى مهام الحضارة كانت إعادة تأويل التراث وتنظيمه، بما يفسح المجال أمام دخول الحضارة المادية والعقلية. إنّ تغيير الوعي التقليدي وبعضه خرافي إلى وعي عقلي عملي، هو طريق التطور، وهو بمثابة إعداد التربة الصالحة لكل تغيير إيجابي مقبل، وإن بُطء هذا التغيير العقلي المنهجي هو المسؤول الأول عن بطء التقدم في سائر أنحاء العالم الثالث، فشرط التقدم الأول هو عقل الإنسان، والإنسان الواعي لتأخره وتقدم غيره، هو الذي يندفع في طريق التقدم والتطور. إنَّ أمماً كثيرةً، كالأمة الرومانية و اليونانية و اليابانية، استطاعت، رغم التخلف، أن تتجاوز ضعفها، وتنهض من جديد. ويرجع السبب الرئيس في نهضتهم، و تأخرنا نحن، هو ترك تعاليم الإسلام التي ربانا عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم. وحين ساعد العلم الغربيين على التطور، أدت التفسيرات السيئة للشريعة إلى إفساد الدين، ودفع الأمة إلى التراجع الحضاري. ولأنّ العلم لا يعترف بالحدود الجغرافية والزمنية و القومية، فهو الفاعلية النبيلة التي لا تتبدل مع الشعوب، كان واجب على الإنسان أن يكرس نفسه للعلم، ليخضع له العلم.