صدر مؤخرا كتاب عن وزارة الثقافة السورية تحت عنوان "الجمود والتجديد في العقلية العربية" للدكتور علي اسعد وطفة أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة دمشق حاول وطفة في مكاشفاته النقدية التي جاءت في ثمانية فصول وأكثر من خمسين محورا بحثيا واستقصائيا ان يقدم مدخلا منهجيا مختلفا لفهم الواقع العربي وتحليل مكوناته ورصد مقومات وجوده من خلال الابتعاد عن الجوانب المضيئة في ثقافتنا وحياتنا الفكرية مركزا الضوء على ما هو أهم وهو الكشف عن جوانب العطالة والجمود في حياتنا الثقافية وذلك من اجل بناء تصورات علمية تساعد في تطوير حياتنا الثقافية والاجتماعية وذالك من منطلق الكشف الابيستيمولوجي عن بنية الثقافة العربية ،ويطالب وطفة في دراسته بتنوير العقل العربي وتفجير طاقاته نحو مشروع حضاري عربي يحقق للعرب والمسلمين مكانا لائقا في ظل الحضارة الإنسانية المتألقة في ألفيتها الجديدة ،ويرى بان الحداثة الحقيقية ليست في المظاهر المادية وإنما في بناء الروح الحقيقية إنسانيا وثقافيا وان التنمية هي حالة إرادة مجتمعية تأخذ بالمجتمع من حالة التخلف إلى حالة الوعي الإبداعي المستمر ويستطرد وطفة بان سبب تخلفنا عن الركب يعود في أكثر جوانبه إلى تخلف الوعي الجماهيري العام الذي بقي بعيدا عن أفكار النهضة والحداثة وبالتالي فان الإنسان الذي يعي تخلفه وتقدم غيره هو الذي يندفع في طريق التقدم ويؤكد بان مصير الثقافات التقليدية المعاصرة سيبقى مرهونا بمدى قدرة هذه الثقافات على احتواء الجديد بصورة عقلانية..ويذهب وطفة إلى طرح سؤال كبير : إلى أي حد استطاعت العقلية العربية المعاصرة أن تنمي في داخلها القدرات الجديدة التي تضمن لها الحضور في عالم ثقافي رهانه الإبداع والابتكار والتجديد وهل استطاعت هذه العقلية أن تتحرر من ضغط الكوابح وتنخرط في التنوير والحداثة ، وفي هذا السياق يحاول وطفة ان يقدم تحليلا علميا عقلانيا لمظاهر العقلية العربية من خلال فهم طبيعة المجتمعات الإنسانية ومسار انطلاقتها على اعتبار أن العقلية تمثل الطبقات الوجدانية الأعمق التي تجعلنا أكثر قدرة على فهم الإنسان ودراسة عوامل التخلف الحضاري مستعينا بأكثر من 156مرجعا عربيا وأجنبيا وينفي وطفة أن يكون في رصده مظاهر الحياة السلبية في حياتنا الثقافية أن يكون قد عبر عن رغبة ماسوشية تسعى إلى قهر الذات الإنسانية أو جلدها ، لقد استعرض وطفة في تحليل بنية العقلية العربية ورصد آفاقها عدة دراسات وتصورات لكبار الباحثين والمفكرين العرب والأجانب تناولت ماهية هذه العقلية وقد بينت اغلب هذه الدراسات أن العقلية العربية مازالت في قفص الاتهام وغير قادرة على المبادرة في معركة البناء الحضاري الشامل ، ورأى بأنه بمواجهة هذه العطالة الثقافية وفي إطار مشروع للتغيير يتوجب إحداث خلل في بنية الذهنية التقليدية وتفكيك مقومات تكاملها عن طريق النقد العلمي وتبيان أوجه التناقض التي تتمثل في عدم قدرة هذه العقلية بحاضنها الثقافي على مسايرة جوانب الحياة ويعترف وطفة بان المفكرين والباحثين يواجهون صعوبات منهجية كبرى عندما يبحثون في الطبقات الجيولوجية الخفية لمعادلة العقلية ويخلص إلى أن المجتمعات العربية مكرهة اليوم على معادلة التنوير والعقلنة في ظل تنامي وتعاظم الثورات المعرفية ليبقى السؤال كيف يمكن للإنسان العربي أن يواجه هذه التموجات الحضارية بعقلية تقليدية صرفة ويضيف بان تغير الذهنية لايمكنه أن يكون تحولا شكليا يتم من الخارج بل هو حالة تغير ذاتي في الجسد الاجتماعي الذي يغير تدريجيا طريقة عمله وان إحداث التحول داخل العقلية لايمكنه أن يكون تحولا في الثقافة بل هو تحول في داخل الثقافة نفسها وتصفية مختلف العناصر التي توجد في أصل العقلية الخرافية والأسطورية.. ويأمل د. وطفة أن تكون مكاشفاته في الكتاب خطوة في اتجاه تحليل الثقافة العربية والمجتمع العربي وفي رصد مواطن الضعف ومواقع القوة من اجل الانطلاق بثقافتنا ووجودنا الثقافي إلى آفاق إنسانية نبيلة.