عاش عبدالله شباط (1353 1438ه)؛ حقبةَ تحوّلات متسارعة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، في المنطقة الشرقية السعودية. وُلد قبل النفط، وتُوفّي في بداية عهد التحول الوطني. التحق بركب أدباء التيار الكلاسيكي والرومانسي، وترجّل عن الثقافة بعد تغوُّل جيل ما بعد الحداثة..! جاء من مُبرّز الأحساء إلى الدماموالخبر، وهما للتوّ تحاولان دخول عصر الإسمنت والإسفلت، ثم غادرهما وهما مدينتان هائلتان، عمرانياً وسكّانياً. حياة أيّ أديب "شَرقاوي" بين قوسي الثلاثينيات الميلادية وما بعد العقد الأول من الألفية الجديدة؛ تعني أنه أي الأديب واحدٌ من الشاهدين على كلّ شيءٍ تغيّر، بل ومن الشاهدين على كلّ حاضرةٍ تأسست وتعمّرت خارج قوسي الأحساءوالقطيف..! يمكن إنماء الأستاذ الشباط إلى الجيل الثاني من أدباء القرن الماضي في المنطقة الشرقية. دخل الساحة بعد جيل خالد الفرج وعبدالكريم الجهيمان ومحمد حسن فقي* والشيخ عبدالحميد الخطي وعبدالله الجشي، وعبدالرحمن العبيد ومحمد سعيد المسلم ويوسف بو سعد ومحمد سعيد الخنيزي، وأسماء كثيرة. يمكن ضمّه تاريخياً إلى جيل عباس خزام وسعد البواردي وسعد الدريبي وإسحاق الشيخ يعقوب وعدنان العوامي.. وآخرين يفوقون الحصر. وكما هو حال كثير من الأدباء؛ خاض التجربة الصحافية. وحسبما تقول سيرته**؛ فقد ترأّس تحرير مجلة "هجر" التي كانت تصدر عن المعهد العلمي بالأحساء، وكذلك "الخليج العربي" التي أصدرها من مسقط رأسه، ثم في الخبر، ولم تستمرّ، بعد صدور نظام المطبوعات في بداية الستينيات. اختبَر العمل في التعليم، في القطيف وصفوى، قبل أن ينتقل إلى البلديات وينتهي به المطاف الحكومي رئيساً لبلدية المنطقة المحايدة. اشتغاله الثقافيّ تركّز في فن المقالة. بدأ من جريدة "أخبار الظهران"، ومجلة "الإشعاع"، وجريدة "البحرين"، قبل أن يؤسس "الخليج العربي"**. وفي العقود الثلاثة الماضية؛ أصبحت صحيفة "اليوم" منبره الأهمّ حتى توقفه عن الكتابة. لكنّ خلاصة جهوده تمثّلت في كتبه التي جمع فيها مقالاته عن الأدباء والشعراء في المملكة العربية السعودية والخليج، وتلك التي كتب فيها عن تاريخ المنطقة، وذكرياته. أتذكّر أولى لقاءاتي به في 1991، في مكتبه بمدينة الخبر. كنّا مجموعة قليلة من الشبّان. صحبنا صديقه الشاعر عباس خزام ليُعرّفنا إليه بوصفنا من الأدباء الشباب وقتها. بعد أيام كتب عنا مقالة عنونها ب "هذه البراعم بحاجة إلى تشجيع"، وسرد فيها رأيه في المكتوب عنهم، بينهم شفيق العبادي ومحسن الشبركة وعلي النحوي وأحمد العلي، والفقير لله. في رحيله؛ خسارةٌ لواحدٍ من رجال الأدب الذين كان في وجودهم قيمةٌ تُضارع قيمة الأبوة الثقافية. عاشوا في مرحلةٍ سبقت مرحلتنا، لنكون امتداداً لهم بمقاييس الظرف الزماني والمكانيّ الذي أدركناه. كان الأستاذ شباط أديباً ومؤرّخاً على طراز أبناء جيله الذين تفتّحت مواهبهم على ضرورة الكدّ والكدح، في الحياة وفي الثقافة. رحم الله الأستاذ عبدالله شباط، وتقبّله في عفوه ورضوانه، وربط على قلوب ثاكليه بالصبر والسلوان. —————- * عاش الجهيمان وفقي في المنطقة الشرقية ردحاً من الزمن، ولهما أثر وتفاعل مشهود، خاصة الأستاذ الجهيمان. ** مجلة "الواحة"، شتاء 2010، و صحيفة "الرياض" السعودية، عدد 27 يناير 2012.