حين يقال بأن داخل كل إنسان طفل، فهذا ليس مبالغة في التعبير، ولا هو نقص في العبارة. وإنما هو دلالة على ما يمتلكه الطفل من براءة وإحساس من درجة عالية المشاعر، ولا يمكن وصف الوقت الذي تبدو فيه خلايا الإحساس لدينا في ذروة فعالياتها، ونحن نوقظ الطفل الذي في داخلنا ليتفاعل إحساساً ويتمزج أسلوباً مع كل الإمكانات المحتمل استخدامها في حواراتنا الداخلية العميقة أو حواراتنا الطفولية الخارجية التي تنساب بين لغة الحياة كنهر تغدو فراتيّة السّمات فيها مدرسة يرهف في دروسها المعجم الشعوري؛ من أجل أداء رسالة الحبّ لكائن الحبّ في أوسع مدى وأنبل طريقة. وفي المقابل قد يمزّق قلوبنا موقف يكون فيه طفل عرضةً للألم أو المخاطر لأسباب تتعدد، وقد تكون نتيجته ما يدمي الفؤاد. وهذا يضعنا أمام مسؤولية لا تقبل الإهمال أو الغفلة عن حركة أطفالنا ونحن في المنزل أو في المطعم أو الحديقة أو الشاطئ وكل مكان تذهب الأسر إليه. فحجز استراحة للعائلة في أجوائنا الربيعية هذه الأيام، لا يعني ترك الأطفال يقتربون من بركة السباحة لوحدهم على حين غفلة من الجميع، وإنما يتطلب اتباع أقصى درجات الحذر والسلامة. وبعض الحوادث المؤسفة كان الضحية فيها طفلاً تسلل بينما الجميع غافلون، فغرق الطفل. ومثل هذه الحوادث يرتفع احتمالها في الشواطئ أو الوديان بالرغم من الاحتياطات الاحترازية والتحذيرات المستمرة والرسائل الوقائية التي تقوم بها فرق السلامة في إدارات الدفاع المدني. والإعلام المحلي يرصد وينقل أخباراً تتقارب في مجملها النتائج وإن اختلفت التفاصيل المكانية والزمانية التي توضح أن بعض العائلات لا تتبع طرق السلامة في مثل هذه التجمعات العائلية. إنّ لغة الحبّ لأطفالنا لا تكتمل فصولها الجميلة إذا تناقص مستوى الحرص على سلامتهم، أو تعطّل محرّك الوقاية في جلساتهم. أما من يدمج الحبّ والتربية ضمن منصّة واحدة، فسيجد نفسه وأطفاله في دائرة النموّ الناجح على المستوى العاطفي أولاً، لأن الحاجات الوجدانية للطفل تمثل مفتاح السعادة والأمان بين كلّ أبوين وداخل كلّ أسرة. ولهذا يُعبّر بضرورة الامتلاء الطبيعي للخزان العاطفي لدى كل طفل من أطفالنا، ولمسات الأب والأم لأطفالهما بلغة الحنان لا يمكن تصوّر لحظات السعادة فيها لدى الطفل أو الوالدين، ولهذا يوصي السلوكيون بمثل هذه العادات التي تعمّق من معاني الحبّ بين الوالدين وأطفالهما. وسنجد لدى كل طفل لغة أساسية للحبّ، وهي لغة يفهم بها حبّ والديه على الوجه الأفضل، وأحياناً قد يتحدث أطفالنا لغة ربما لا نفهم ما يقولونه شفاهياً، وقد نتحدث في بداياتنا معهم لغة لا يفهمون ما نقوله لسانياً، لكنّ هناك مبتكرات والديّة تترجم حركات الطفل وسكناته وتتفاعل بلغة يفهما بالمثل عن طريق الاحتضان مثلاً أو لمسات الحنان وهي ذات أنماط لا يبدع فيها إلا الوالدان. وحين لا ينظر بمشكلة انشغال الأبوين عن أطفالهما نتيجة ارتباطاتهما العملية مثلاً، أو ارتباط أحدهما، فإن ثمة خسارة وجدانية تنتج غالباً عن هذا الانشغال وبمعدل يتفاقم بنسبة هذا الانشغال ذاته. ولهذا يسعى بعض الآباء والأمهات إلى تعويض ذلك بوسائل أخرى مثل تقديم الهدايا التي يعتز بها أغلب الأطفال؛ لما تعني لهم هدية الأبوين من قيمة تكتنز الحبّ لطفلهما. لكن تبقى معالجة نسبية لمشكلة الانشغال ضمن أهم التوصيات التي لا بدّ من اتباعها. ولهذا يقول بعض المختصين في السلوك الأسري مخاطبين كلّ أبوين: ربّما تحبّ طفلك حقاً، ولكن ما لم يشعر بهذا، فلن يشعر بأنه محبوب. كما أنّ من أهم الالتفاتات هنا أن لا يكون أي مظهر لهذا الحبّ بطريقة الاشتراط؛ فالحب يجب أن لا يكون مشروطاً؛ لأن العاطفة الحقيقة لا تحتوي على أي شرط، وإلا كان فيها من التكلّف ما فيها. إنها تتدفق بعذوبتها وعفويتها في كل خلية ومع كل همسة وخلال كل نغمة تناغي هذا الكائن الجميل، الذي نعشق فلسفة أسئلته، كما نعشق بدايات نطقه للحروف التي قد تأتي من مخرج لحرف مقارب، فيحلو نطقه، ثم ينمو هذا المعجم الذي يحتاج إلى تغذية وإثراء إيجابي بعيداً عمّا قد يمارسه بعضهم من ابتذال في تغذية مفردات قاموس الكائن الذي يشبه بالملاك لسموّ روحه وصورته. إن الحب غير المشروط يدعم الطفل لأجل مَن هو، وليس من أجل ما الذي يفعله؛ فبغض النظر عمّا يفعله وما لا يفعله، يظلّ الوالدان يحبّانه. لكن مما يؤسف له، أن بعض الآباء والأمهات يظهرون حبّاً مشروطاً؛ فهو يعتمد على تحقق شيء يشترطانه، وليس على وجود طفلهما. فهما يمارسان عملية تقييم لأداء طفلهما، ويمنحانه الحبّ حسب هذه المعادلة المتكلفة، التي لا تساعد على امتلاء الخزّان العاطفي لهذا الربيع الحياتي لكل أبوين وأسرة.