ولو أنني لست من محبي «لو» أو المدمنين عليها كلما ضاقت بهم الأسباب أو أرادوا من الخير استكثارا إلا أنني وبلا قصد مسبق جعلتها فاتحة المقال، ولربما توّلد التوجّس لدي من كلمة «لو» لما جاء عنها من الكراهية في نصائح الأولين المجردة أغلبها من الإيضاح أو الحكمة، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «فإن لو تفتح عمل الشيطان»، ولم يفطن صاحب الأمر بالكراهية نسبة إلى هذا الحديث إلى الحديث الآخر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت»، إذا فمن الواضح صلاحية لو في مواضع وعدم نفعها في أخرى ما لم يصل بها الأمر إلى اعتراضٍ أو كراهية على قدرٍ قدّره الله فهنالك الشيطان، وكعادتي أجدني في التفصيل حتى يكاد يستنفد المسموح لي من عدد الكلمات في المقال الواحد، إن «لو» المُستكثرة والمُستكبرة سواء في الغاية من ذكرها، وكذلك سواء في المسبب إليها، وطالما الإنسان على نفسه بصيرة فلن تجدي معاذيره، ذلك لأن «الصحيح» يحتمل أوجهاً عدّة، والظن يحتمل السوء حتى ولو كان من حُسن الثقة، أما اليقين فدرجة عالية من الوعي والإدراك جوهر الفطنة، ولو قيل لي ما الذي يحد من تكاثر «لو» على ألسنتنا خاصة تلك المستكبرة المتحسرة لقلت بأن لكل صالح دوافع ومسببات والأمر كذلك على كل طالح، ومن تتبع الناجين نجا، والإنسان سيّد نفسه، إلا أن هنالك بعض الممارسات التي تؤدي بصاحبها إلى الأسلم من الاحتمالات، ومنها التأني في القول أو الفعل والإلمام بالشيء وتفرعاته والوعي والإدراك بالمكان والزمان المناسب وليس فقط الوجود في ذلك الزمان والمكان، ولو أن لي كرّة أخرى فلربما علمتُ عن «لو» أكثر مما جهلت.