الحمدالله رب العالمين وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد : فإن بعض كُتاب الصحف يبدأ بداية حسنة يتكلم عن موضوع معين ويحلل وينتقد ويبحث ويستنتج ويستمر مدة من الزمان على هذا المنوال فإذا رأى الإنصراف عنه بدأ بالولوج في قضايا لا يبتغي فيها الإصلاح بل يريد فيها الشهرة ولو كانت على حساب الدين فيشتهر في المجالس ويكون اسمه على كل لسان ويُعرف بحاله وربما استمرت سيرته مدة من الزمان يتداولونها الناس فيما بينهم وربما اشتهر بتلك الحادثة فكلما اتت حادثة مشابهة لتلك الحادثة تذكروا الناس ذلك الكاتب فيقوم بتشكيل هالة سوادء حول نفسه وفي كل قضية يحشر انفه فيها تزداد هذه الهالة فهي لا يريد حل لهذه القضية بل يريد الشهرة وأنه كان له رأي فيها حتى إذا سئل فيما بعد فيقول كان لي رأي فيها وكأنه المفكر المحلل الوحيد أو الذي لا يستطيع الناس العيش بدون آرائه أو يرى أن رأيه مهم في كل قضية فإذا حاججته في كتاب الله وسنة نبيه ادعى أن الفهم ليس محصوراً على السلف الصالح رغم أن القرآن والسنة لم يتلقاهما إلا عن طريق السلف الصالح فالذي نقل القرآن والسنة من النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة رضوان الله عليهم وهم الذين نقلوه للسلف الصالح وهم الذين فهموا تفسيره لأن القرآن كان ينزل على حوادث تحدث بينهم وحوادث تصحح لهم امور وامر يفعلونه ونهي ينتهون عنه ولهذا فإن اليقين الموجود في قلوبهم لا يمكن أن يكون في قلوب من بعدهم لأن الذي شاهد وعاين وسمع ليس كمن سمع فقط . وإن ابطلت كلامه استشهد بأحاديث ضعيفة أو آراء مهجورة لم يرد بها إلا دفع تهمة الجهل عن نفسه لكيلا يقول الناس أنه جاهل في دين الله بل يحاول أن يبحث في القرآن والسنة عما يقوي حجته وأنه يستطيع أن يفعل كما يفعل العلماء ولا يحتاج لسنوات طويلة يثني الركب عند العلماء فما ان يفتح كتاب الكافي أو المقنع او البخاري او صحيح مسلم فيستخرج الرأي الذي يريده أو الحديث أو الآية ولا يحتاج لهذا العناء فالعالم بزعمه تطور وهولاء ما زالوا يثنون الركب عند العلماء . وحتى وإن كان الرأي أو الحديث ليس في محله لكن يريد أن يثبت أنه يعلم مثلما يعلم العلماء الكبار بل هو بإيام عرف مالم يعرفه العلماء في خمسين عاماً فإن رأى تجاهل العلماء له تكلم وقال أن العلماء لم يستطيعوا أن يناقشوه لقوة حجته ولأنه اربكهم فقد اخرج من الآراء والأحاديث ما ازعجتهم وحاولوا اخفائها عن العوام لكي يكون الدين وفق مصالحهم وهواهم وأنه ارسل لهم وذهب إليهم فلم ينبري له أحد فإذا رأى الصمت من العلماء تكلم أن سبب فهمهم للقضية هو بسبب أن لديهم عقلية متحجرة وأنهم لا يهتمون إلا بأحكام الحيض والطهارة وأن الإصلاح السياسي لا يفقهونه ولا يعلمونه وما علم أن العلماء تجاهلوه لأن لديهم أمور أهم من مناقشته وتضييع الوقت معه فهم يعلمون الناس ليل نهار عبادة الله وحده وكيفية التعامل معه سبحانه جل في علاه يعلمونهم الحكمة من الخلق فإن اطاعوا الله عز وجل اطاعهم الخلق وبالطاعة نقوى وبالطاعة نكون اسياد العالم أما أن ننادي بالعروبة والوطنية فهذه مسميات جاهلية ما انزل الله بها من سلطان بل يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعقد حلف العرب فكل قبيلة يمثلها شخص منها ويكون حلف العروبة في ذلك الوقت لكن لم يأتهم بذلك بل اتاهم بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له فمشكلة الشعوب الإسلامية الآن لا سيما المتحضرة هي الشهوات وليست الشبهات وإن كانت الأخيرة بدأت تغزو بقوة أشد من الأولى فهولاء العلماء يعلمون الناس ما هو أهم بملاييين المرات من كلامه وشغبه ولغطه وليس لديهم وقت لأمثاله وهكذا حتى تكتمل الهالة السوادء فيبغضه المجتمع فإن تكلم في قضية وأحسن الرأي فيها فعلاً وأتى بحل عبقري فعلاً لم يستمع أحد إليه رغم أنه مصيب فيها بسبب الهالة السوادء التي صنعها حوله واجتهد سنوات طوال يشكلها حتى تشكلت له فأصبحت تلازمه كظله وإن انكشف له مخطط خبيث يحاك في الداخل وفي الخارج فقام بنشره وتحذير الناس منه لم يستمع إليه احد ولم يعبأ به أحد بسبب الهالة السوادء وإن حاول مراراً وتكراراً لم يسمعه احد بسبب الهالة السوداء فجنى الشهرة لكن لم يجني الصدق ولم يستطع أن يملك قلوب الناس وأعلم أناس يكتبون في الصحف انقلبوا من باحثين للشهرة إلى مصلحين حقيقيين بسبب الأحداث الجارية وتكلموا في القضية فأجادوا فيها وتكلموا في حلول وامور كثيرة ربما عجز عنها الكثيرين لكن لن يستمع لهم أحد ولن يعبأ احد بقولهم بسبب ما كانوا يفعلونه في أيام الرخاء , بل ربما اشترى انسان جريدة فيرى صورة الكاتب فيقلب الصفحة لما يعلم مسبقاً بما يقول وقد يقول قائل أن الإنسان لا يهتم بشخصية الكاتب بل بما يقول فيأخذ منه الحسن ويترك السيئ أقول هذا الكلام تقوله للعلماء ولطلبة العلم ولمن لديهم نصيب من الثقافة والفهم والدراية والعلم أما أن تقوله للعوام لا سيما أهل نجد المعروفين بالغلظة والشدة فلا ينفع هذا الكلام معهم إلا من تاب مما كان يفعله إلى لإجل الله عز وجل وليس لإجل الناس بل لإجل الله عزوجل وتكلم بما كان يفعله وأن الشيطان اغواه وأنه مستعد ليتلقى العقوبة التي يستحقها لإجل ما تكلم به في الدين وقول مالم يعلم عن الله عزوجل والتكلم بغير علم فهذه تصحح مساره لأن الكاتب هذا يخاطب مجتمع متدين ومحافظ بالدرجة الأولى لا يخاطب شعوب اوربا أو امريكا فكلمة واحدة من عالم معتبر حول كاتب واحد تهدم كل ما بناه هذا الكاتب او تقوي بنيانه لأن المجتمع محافظ ويرى أن الذي له الحق بالحديث عن قضاياه هم العلماء وطلبة العلم الموثوقين وممن يثقون به من كُتاب الصحف الذين لم يكونوا يوماً يبحثون عن الشهرة بل عن الحلول وعن المساعدة وكانوا يتعرضون للضغوط لكي يصمتوا لكن يتكلمون لإجل المجتمع بل بعضهم معروف بالمصلح الإجتماعي رغم أنه لا يمتلك شهادة على ذلك لكن بكتاباته العجيبة استطاع ان يستولي على قلوب الناس فأنقلب من كاتب صحفي إلى كاتب له صفحة خاصة به يحلل قضايا الناس ولم يكن ذلك كافياً له بل انشأ مدونة خاصة به ثم منتدى لكي يحتوي الناس فلما رأى انه لا يستطيع وحده أن يحتوي هذا العدد الضخم استعان بخبراء ومفكرين وعلماء فأصبح له موقع خاص وذلك أنه من البداية كان يبتغي الإصلاح وحل المشاكل فلما رأى الله صدق نيته فتح له قلوب الناس فإن القلوب بيد الله فإن اشتغلت بالله عز وجل اشتغل الناس بإمرك وإن احبك الله احببك خلقه وإن اطعت الله حق الطاعة اطاعك الخلق وإن حاربت الله حاربك خلقه فأنظر في أي ثغر أنت ! وهناك كاتب له هالة سوادء كتب مقالاً يستنكر في قضية معينة لكن وإن استنكر فإن كلامه سيحمل على أنه يريد مقاصد اخرى ولا يريد الإنكار ابداً وإن حاول وحاول وذلك لهالته السوداء فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من أفضل البشر وكان يلقب بالصادق الأمين وكان ذو خلق رفيع قبل النبوة فلما اوحى الله عليه لم يجد كفار قريش أي خطأ أو زلة له حتى أنه بلغ من المكانة أنه كان القاضي في قضية هدم الكعبة وتلك قضية تاريخية كادت أن تهدر فيها الدماء كحرب البسوس ونحوها من الحروب الجاهلية لكن لولا الله ثم النبي صلى الله عليه وسلم لكان التاريخ يروي لنا حرب دموية استمرت سنوات بسبب الكعبة فكل قبيلة تريد أن يكون لها الشرف في بناء الكعبة فكان حل النبي صلى الله عليه وسلم هو الحل الوحيد لقضيتهم فحفظ بذلك دماء الرجال واعراض النساء وحرية الأولاد فكان الأمين والصادق والقاضي لهم في قضاياهم فلما اتاهم بما ارسله الله عز وجل لما يجدوا عليه أي زلة بل وجدوا تاريخاً مشرقاً فلهذا كان من كفر به مستكبراً وكان يعلم أن الحق معه لكن لم يؤمن استكباراً او حفظاً لكرامة القبيلة كما يزعم كما قال ابو جهل فقد روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام: 33). وفي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟! وتلا أبو زيد (الراوي) الآية السابقة. وشبيه بهذا ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين سامي بن خالد المبرك