من خلال تجربتي المهنية في القطاع الصحي التي امتدت على ما يزيد من ربع قرن، وكانت جُلها بين أروقة المنشآت الصحية بمنطقتي، فإنه، يمكنني القول إن العنصر المهم والأساسي (core element) في أي أجندة تطويرية للرعاية الصحية، أن تكون مركزة على عامل المستفيد من مختلف تلك الرعاية الصحية والمتمثل في المريض. حيث إنه يلاحظ أحياناً، أن مسيرة المريض قد تكون غير واضحة المعالم في الأجندة التطويرية للعمل الصحي! كيف؟ وماذا أقصد؟ نعلم أن هناك طرفين في الخدمات الصحية، طرف المستفيد من الخدمة (المريض) والطرف الآخر والمتمثل في المقدم الرئيس لتلك الخدمة (الطبيب). ولكي أكون أكثر وضوحا و شفافية، فإن العلاقة بين الطرفين لم ترتق إلى المعايير الصحية التي من خلال تطبيقها (المعايير) يكون مؤشر الجودة أفضل ما يمكن. في العلاقة ما بين المريض والطبيب، لابد أن نركز هنا على محور التواصل (الحديث بين الطرفين) الذي يعتبر محوراً أساسياً في إيصال المعلومة الصحية المفيدة إلى المريض من قبل الطبيب. ودعونا نتخيل الواقع، المريض ينتظر الطبيب وبكل اهتمام لكي يسمع كل ما يتعلق بحالته المرضية، ولكنه يفاجأ بأن هناك عنصرا آخر (التمريض) يقوم بإيصال معلومة مبهمة مثل قول (بابا مافي مشكلة! كله كويس، بس إنت يبغى عملية؟!). ماذا يكون رد فعل المريض! الاندهاش من تلك المعلومة المبهمة! ومن ثم قول: الحمد لله على كل حال، ويتحدث إلى من إلى جواره بأنها مشيئة الله. نعم، ومع الأسف، لا توجد هناك لغة حوار واضحة بين المريض والطبيب (خاصة إذا كان استشاريا لا يجيد اللغة العربية). هنا، لابد أن ندرك أن إيصال المعلومة الطبية إلى من يحتاجها، تعتبر من حقوق المريض الأساسية، إلى جانب أهميتها في الوصول إلى نتائج إيجابية. ولكي أقرب لكم أهمية الموضوع، مثلاً: عملية زراعة الكلى، لا يكون العامل الأساسي في نجاحها فقط هو الجراح البارع، حيث إن المدة الزمنية للعملية قد لا تتجاوز الساعتين من الزمن (في أصعب الظروف) ولكن، يكون هناك عامل مهم وأساسي في بقاء العضو المزروع أطول فترة ممكنة، وهذا العامل يتمثل في برنامج رعاية صحية متكاملة قد تستمر ل (6) أشهر بعد العملية، ماذا سيحدث لو أن هناك خللا في فهم هذا البرنامج الصحي من قبل المريض؟ نعم، وهناك أمثلة عديدة يمكن طرحها في هذا الموضوع. باختصار.. يعتبر إيصال المعلومة الصحية الصحيحة إلى المستفيد عاملا أساسيا في إنجاح أي أجندة تطويرية للرعاية الصحية، حيث تكون (تلك الأجندة) مدعومة بكل العوامل التي تصل إلى الهدف المنشود، وتكون أيضا في صورة تكاملية بين جميع الأطراف التي تعمل تحت مظلة واحدة. وللوصول إلى ذلك، لابد من التركيز على عوامل عدة مثل: الاهتمام بالثقافة الصحية بين جميع الأطراف سواء المستفيد أو المقدم، ما الفائدة من وجود معلومة عند المقدم ولا يستفيد منها المريض بطريقة صحيحة؟ التواصل الإيجابي وذلك باستخدام جميع أدوات التواصل (tools) خاصة اللغة المستخدمة بين المستفيد والمقدم، المشاركة بين جميع الأطراف المقدمة لتلك الرعاية في الوصول إلى الهدف المنشود من تقديم تلك الرعاية الصحية التي يكون هدفها تلافي جميع السلبيات التي قد تؤثر على المفهوم الخاطئ من قبل المستفيد من تلك الرعاية الصحية.