رغم العلاقات التاريخية الطويلة والممتدة لقرابة قرن من الزمان بين دول الخليج والسعودية كونها الدولة الكبرى في المنطقة والولاياتالمتحدةالأمريكية فإن السياسية الخارجية الأمريكية مع دول الخليج العربي لم تكن في أحسن حالاتها لاسيما في العقدين الأخيرين، وقد يرجع سبب هذا إلى أن الأمريكان يمضون قدماً في مصالحهم مع مختلف دول العالم ومنها دول المنطقة بينما نتكئ نحن في دول الخليج على العلاقات التاريخية الطويلة مع الولاياتالمتحدة مفترضين أن من شأن تلك العلاقة أن تمنحنا خصوصية في التعامل مع الملفات الخاصة بالمنطقة. وإذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وتحديداً في فترة الرئيس السابق باراك أوباما فسنجد أنه وإدارته كانوا يصرحون وبشكل دائم عزمهم على مواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره والواقع والشواهد تدل على عكس تلك التصريحات الرنانة فقد جلبت الإدارة الأمريكية السابقة الدمار للمنطقة بعد غزو العراق ودعمت دور الميليشيات فيه حتى أصبحت جزءا أساسياً ومكوناً مهما في جسد الجيش العراقي الذي أصبح جيشاً غير وطني لا يدين بالولاء لأرضه وإنما لأجندات طائفية بغيضة جلبت معها الخراب للبلد العربي الأصيل بلاد الرافدين. لقد زاد توسع المنظمات الإرهابية وتنوعت أنشطتها واستولت داعش على أراض واسعة من العراق بموافقة حكومة المالكي الذي أعطاها الضوء الأخضر وبعلم ودراية الإدارة الأمريكية السابقة حيث غضت الطرف عن ذلك. أما في عهد الرئيس جورج بوش الابن فقد تبنى إستراتيجية جديدة تقوم على صياغة شرق أوسط جديد، حيث تبنت كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي في ذلك الوقت نظرية «الفوضى الخلاقة» التي لم تجلب معها سوى الدمار للعالم العربي وللمنطقة عموماً. تقوم نظرية الفوضى الخلاقة التي تبنتها الولاياتالمتحدة لتغيير الشرق الأوسط على مجموعة من الأسس من أهمها السعي نحو التغيير الشامل في الشرق الأوسط بشتى الطرق، هذه النظرية الخطيرة هي المحرك الذي ينطلق من أمريكا في صياغة خارطة جديدة للمنطقة وفق مصالحها. إن ما تشهده المنطقة حالياً من صراعات وحروب طائفية ضد أهل السنة في الدول العربية هي إحدى مراحل تطبيق تلك النظرية التي بدأت بالغزو الأمريكي للعراق تلتها تسليم البلد لإيران وعملائها في المنطقة الذين عملوا على تجريد العراق من عروبته وانتمائه، وقاموا بسرقة مقدراته واستنزاف ثرواته واغتيال العقول المفكرة والمنتجة التي رفضت التعاون مع الاحتلال الإيراني المدعوم أمريكياً. إن العمل على تكريس وطغيان الولاء للانتماءات العرقية والإثنية والعشائرية بدلاً من الانتماء للوطن هي إحدى الوسائل التي طبقها الأمريكان لتدعيم مشروعهم لنشر الفوضى الخلاقة في البلدان العربية التي تشهد حروبا واقتتالا داخليا، كما أن ظهور داعش والجماعات الإرهابية المتمثلة في الحشد الشيعي المدعوم من الحكومة العراقيةوإيران الذي يمارس القتل والاغتيال على الهوية واستهداف السنة يأتي ضمن المخطط الشامل لتغيير المنطقة وفرض أمر واقع وصياغة خارطة جديدة. إن اختلال الأوضاع الأمنية في بعض البلدان العربية وإطالة أمدها يأتي في سياق تطبيق الفوضى الخلاقة حيث ينشغل النظام السياسي والمجتمع في حالة عدم الاستقرار الذي تولد نتيجة الصراعات المستمرة بكل أشكالها سواءً العرقية منها أو الحزبية والتدمير المتواصل وعمليات القتل والتهجير التي تمارسها الميليشيات في العراق وسوريا، وهذا بدوره يولد شعوراً بالخوف من حالة عدم الاستقرار والأمان ويجعل الفرد العربي في حالة خوف وترقب من المستقبل. يقول مايكل ليدن المفكر الإستراتيجي الأمريكي في مركز «أمريكا انتر برايز» والمؤسس لنظرية «الفوضى الخلاقة» (علينا تدمير الأنماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها وهذه مهمتنا التاريخية) أي لكي يحدث التغيير الكامل في الشرق الأوسط فلابد من تدمير ثقافة وتاريخ الشعوب العربية وجعلها تنسلخ من عقيدتها ودينها وموروثها الحضاري والثقافي التي تنتمي إليه وتعتز به، وذلك بغية خلق ثقافة وأنماط ومعتقدات جديدة تتماشى مع النظام العالمي الجديد الذي صاغته النخبة المسيطرة في مراكز صناعة القرار في أمريكا والمتحكمة في مساره. على صناع القرار في الدول الخليجية وشعوب المنطقة عدم الوثوق بأي وعود وأمنيات يطلقها الرؤساء الأمريكيون وآخرهم دونالد ترامب الذي أعلن وصرح بأنه يسعى لمحاربة الإرهاب وإلغاء الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته الولاياتالمتحدة إلى جانب خمس دول، أربع منها دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، إن اتفاقا كهذا شهدت عليه مجموعة من كبريات الدول الأكثر تأثيراً في العالم لن يلغيه رئيس أمريكا بقرار منفرد منه. لقد أثبت التاريخ والتجارب العملية كذب الوعود الأمريكية التي أطلقها رؤساء أمريكا السابقون التي كانوا يؤكدون فيها على حماية المنطقة ورعاية مصالحها من أي تهديدات محتملة، لكن ما حصل كان العكس تماماً فقد سعت الحكومات الأمريكية المتعاقبة إلى زعزعة استقرار المنطقة وزادت الشرخ فيها وساهمت في إطالة أمد الصراعات والحروب التي يخوضها وكلاؤها بالنيابة عنها. يجب أن نعي ونستوعب أن الوعود التي أطلقها ترامب هي وعود كاذبة كما هو حال من سبقوه وأنه لا يمكن البناء عليها، بل علينا أن نتوقع العكس، لذا فلابد من العمل على تقوية أنفسنا مستعينين بالله سبحانه ومتوكلين عليه ثم على سواعد أبناء دول المنطقة في تقوية بلداننا وتنميتها في مختلف المجالات.