دوماً كنتُ فتاة حالمة متطلعة منذ صغري.. دائماً كنت أحب الإطلالة من شرفة منزلنا ناظرة للسماء الواسعة.. كنتُ وما زلت أعشق مشاهدة الأماكن الخضراء الشاسعة والأشجار الجميلة، وأحب شكل النخيل جداً لما له من أثر عميق في نفسي، لقد كان يبعث في روحي القوة والصبر والشموخ، كنت أتحدث مع نفسي كثيراً وأقول لها: ستكونين يوماً امرأة عظيمة، ناجحة ومتميزة، كنت أشعر بأن في روحي شيئاً ما يميزها ولكني لا أعرفه أبداً، ولكني كنت أبحث عنه كثيراً، أعرف أنني كنت أبالغ كثيراً في أحلامي وتوقعاتي، ولكنها كانت طوق نجاتي في أحيان كثيرة، ولم أدرك ذلك إلا عندما مررت في حياتي بصعاب كثيرة على جميع المستويات وفي عمر صغير، مررت بمشكلات عائلية وشخصية، وتألمت كثيراً وبكيت أكثر وذقت مرارة الفقد وهي من أصعب أنواع المرارة، ورغم كل تلك المعاناة كان يوجد في داخلي صوت يهمس قائلاً «لن تسقطي لن تسقطي»، وكنت أصغي كثيراً لذلك الصوت القريب البعيد، كنت أشعر بأن حزناً عميقاً مدفوناً في روحي يتأرجح، وفي المقابل صوت أعمق قادم من بعيد يهمس من داخلي لا تخافي فكل شيء سيمر وستبقين أنتِ أيتها الحنونة، وكلما كنت أصغي لهذا الصوت الهامس كان يتزايد في روحى وينمو ويكبر كلما سمعته، ويجعلني رغم أوجاعي وآلامي أردد «كل هذا سيمر ويعبر وينتهي»، كنت أشعر جداً بمن حولي بأحزانهم وأوجاعهم، وكنت أحاول مساعدتهم لكي يكونوا أفضل، كنت أشعر بسعادة عندما أكون عوناً لهم، وكنت أعشق المواساة والمساعدة، لقد وجدتها أثمن شيء على وجه الأرض. لا أنكر أنني كثيراً ما كنت أقدِّم العون والمساعدة للآخرين، ولكنني عندما كنت أذهب لفراشي ليلاً كنت أنصهر من شدة البكاء، فقد كنت أبكي بحرقة وأشعر بأن روحي تتقطع وتنزف دماً، وبعد معاناتي مع الألم في صدري من شدة البكاء كان ينتابني خوف عميق، كنت أخشى أن أموت من شدة حزني وحزن أمي على فراقي، وكنت أفكر مَنْ الذى يقدِّم لها المواساة من بعدي، كنت أتماسك من أجلها لأنها لي كل الحياة. ولكني كنت أستيقظ كل صباح ناسية أو «متجاهلة» كل شيء، وأبدأ يومي بابتسامة أمل متوجهة لشرفة البيت ذاتها، أنظر للسماء وأشعر بدفء أشعة الشمس، وفي روحي أمل وحسن ظن في رب هذا الكون الرائع الجميل، وأقوم بتحضير فنجان قهوتي كالعادة ليزداد يومي حياة ورونقاً، فكرت كثيراً وتفقَّدت ذاتي فوجدت أن سر بقائي هو العطاء، نعم إنه العطاء، فعندما كنت أقدِّم المواساة لأي شخص سواء كان من أهلي أو من أصدقائي كنت أسعد كثيراً وأستمتع بمشاهدة ابتسامتهم، ولم أشعر يوماً بأن كثرة استماعي أوجاعهم وآلامهم كانت تزيدني حزناً، بل على النقيض فقد كنت أشعر بأن عطائي لهم ذو مردود إيجابي واضح على نفسي، وتداركت ذلك حينما بدأت أتقبَّل ذاتي بأحزانها وجمالها في حب العطاء، وكان هذا سر توازن حياتي واستمراريتها. وأخيراً، أحببت أن أقول بأن سر الحياة يكمن في العطاء ومواساة الآخرين دون انتظار المقابل.. حيث إن جمال الروح هو الذي يمنح المقابل، كما أن السعادة هي الالتزام بالفضيلة مثل العطاء والرحمة والعدل والوسطية وحب الآخر، فالصحة النفسية هي التمركز حول الآخر، أما المرض النفسي فهو التمركز حول الذات، أعطِ ذاتك من وقتك، من عاطفتك. لتُسعِد مَنْ حولك وتشعر بقيمة ذاتك وحياتك أمام نفسك والآخرين.