سنحت لي الفرصة قبل أيام لحضور معرض الكتاب في جدة، فقمت بزيارة إلى جدة القديمة أو جدة التاريخية، واستمتعت بأصالة الماضي وعبق التاريخ الجميل، وزرت بيت نصيف القديم، وبيت متبولي الذي شيد قبل قيام الدولة السعودية الأولى عام 1120ه، ومسجد المغربي الذي شيد عام 1182ه، إلا أنه مع الأسف هناك ضعف في الاهتمام بنظافة ما حول الدكاكين كما ينبغي، وحبذا لو كانت المحلات التجارية تبيع الأشياء القديمة والمخطوطات والوثائق والكتب القديمة؛ ليتناسب ذلك مع قدم المكان وجماله. وأنا أسير بين الطرقات تذكرت «سنابات» الفتاة البرازيلية التي كانت في زيارة لمدينة جدة التاريخية قبل فترة، ويبدو أن هذه الزائرة كان لها متابعون كثر في البرازيل، طبعاً لا أعلم عن سبب زيارتها أو سبب وجودها في جدة، إلا أنه تم تداول ما تم تصويره الذي يضم مقاطع لسنابات التقطتها عن منطقة جدة التاريخية؛ حيث أسرها المنظر الرائع وهي تطل من مكان رفيع جداً، وقد صادف أثناء تصويرها نداء لأذان المغرب من المساجد المحيطة بها، فكانت الدهشة الكبيرة من خلال تصرفها؛ حيث بدأت دموعها تنهمر عندما سمعت الأذان، ولم تستطع مواصلة التصوير والشرح لمتابعيها عن المكان، وقالت: ربما تلاحظون وجهي، نعم.. إنني أبكي، ولم أصدق أنني هنا، وكانت تضع يدها على فمها من شدة التأثر والدهشة، وقالت: هذا هو الأذان في جدة، وما تسمعونه هو في محيط كيلومتر واحد فقط، ويوجد في هذا المحيط 26 مسجداً، وعند الأذان جميعهم يؤذنون في وقت واحد، وأنه بإمكاني الآن أن أسمع الأذان من جميع المساجد في آن واحد، فهي مستغربة من تناغم الأصوات وأن النداء جاء في وقت واحد، وتستمر في اندهاشها وتقول: إنه مؤثر جداً، أقسم لكم. هذا ما تضمنته تلك المقاطع التي تم تداولها قبل فترة، والغريب هو: الاندهاش العجيب من هذه الزائرة التي تأثرت عند سماعها الأذان، حتى إنها في نهاية المقطع لم تستطع أن تكمل كلامها، وأصبحت تشير بيدها بأنها متأثرة جداً، وهنا لعلنا نسأل ما السبب الذي جعل هذه الزائرة تتأثر كل هذا التأثر عند سماع الأذان؟ في اعتقادي أن من أقوى عناصر الدعوة إلى الله هو: الدعوة بالحسنى، وبالتي هي أحسن، فهي التي تعكس سماحة الإسلام، كذلك الأمر الأهم الصوت العذب والشجي الذي أطلق النداء لأذان المغرب، فالأصوات العذبة تأسر القلوب، وتهز المشاعر؛ لذلك فإن اختيار من هم أصواتهم عذبة ليؤذنوا في المساجد التي تكون في الأسواق والأماكن التي يرتادها الأجانب غير المسلمين أمر في غاية الأهمية؛ لأن بعض الأشخاص من خلال سماعهم هذه الأصوات الشجية العذبة قد يتأثرون بذاتهم، وربما يعلنون إسلامهم بدون جهد من أحد وبقناعة تامة منهم، فعندما نهتم بدور العبادة، ونهتم بمن يؤذن بها أو يؤم المصلين من خلال الاختيار الأمثل بمن تمثلهم الوسطية والاعتدال والشخصية المتزنة وأصحاب الأصوات العذبة، وخاصة في المساجد التي قد تكون في الأسواق أو عند الأماكن الأثرية التي يرتادها الأجانب غير المسلمين من سياح أو وافدين يعملون في المملكة، فهذه العوامل قد تكون مساعدة وغير مكلفة نهائياً في نشر الدعوة إلى الله والتعريف بسماحة الإسلام وقيمه الجميلة. كما أنه قد يغيب عن كثير منا الاستفادة من وسائط التواصل الاجتماعي بأنواعها وخاصة «السنابشات» الذي انتشر بين الناس كانتشار النار في الهشيم؛ حيث تعدى متابعوه المليار متابع قبل فترة، وقد اشتهر كثير من الشباب من الجنسين عبر هذه الوسيطة الجميلة، وأصبح لديهم ملايين المتابعين يتابعون ما ينقلونه لهم من مقاطع ونصائح ودعايات وغيره، هذه الوسيطة ربما تستفيد منها وزارة الشؤون الإسلامية في نشر قيم الإسلام وسماحته، وقد تستفيد الوزارة من هؤلاء المشاهير والتعامل معهم عبر أناس مختصين في التقنية الحديثة والاتفاق معهم على عرض سنابات خاصة بالتعريف بسماحة ديننا وقيمه الرفيعة، وربما نستطيع من خلال ذلك تغيير الصورة السوداء التي صورها عنا بعض الإعلام الغربي وعن ديننا وأنه دين قتل وإرهاب وتشدد من خلال تلك الوسائط بالتعامل مع أولئك المشاهير سواء كانوا أجانب أو عرباً بأن يُدفع لهم قيمة الدعايات التي يطلبونها وتسليمهم مقاطع لسنابات يتم تنفيذها وتصميمها باحترافية عالية، وتكون هذه المقاطع بعدة لغات أجنبية، ومن ثم تُبث تلك المقاطع عبر سنابات أولئك المشاهير عدة مرات، وبالتالي نكون قد وصلنا إلى شرائح كبيرة جداً على مستوى العالم، ونحن في أماكننا لم نحتج إلى سفر أو سكن أو تنقل أو تعرض إلى مخاطر وغيره. ختاماً قد يتأثر أي إنسان بما يسمعه أو يشاهده، وبدون توجيه أو ضغط من أحد، وهذا الأسلوب الجميل هو الأسلوب الأمثل في دغدغة مشاعر الآخرين بما تريد أن توصله إليهم، فهل نرى شيئاً من هذا التأثير؟