ذهبت إحداهن لاختصاصي تغذية ليقوم بتصميم حمية غذائية خاصة لها، تساعدها على حرق مزيد من الدهون وتسريع عملية الأيض. تخبرني أن ذلك المختص طلب منها مجموعة من الفحوصات للتأكد من أن السمنة ليست بسبب خلل عضوي ثم بعد ذلك قام بتصميم حمية خاصة لها ضامناً لها أن بالتزامها بذلك الجدول وبقليل من المشي ستصبح «كغصن البان». لا بأس في ذلك إلا أن هذا الاختصاصي – ورغم تدافع العملاء لعيادته- كان بالغ البدانة وكبير البطن! حتى أنها قالت من باب المزاح إنه بينما كان يقرأ نتائج الفحوصات والتحاليل كنت أتأمل قميصه الذي يكاد يتمزق من شدة الضيق، حتى أنني في كل حركة يقوم بها كنت أخشى أن يطير أحد أزرار قميصه ويستقر في عيني كما حدث «للسيدة ملعقة»! نسيت أن أقول إن ذلك الذي ينصحها بالمشي كان يرتمي على كرسيه ذي العجلات ويتنقل به في أرجاء الغرفة وكأنه في مضمار تزلج. أتذكر أيضاً كاتباً أمريكيّاً ذائع الصيت يكتب ويحاضر كثيراً عن ما يسمى ب «قانون الجذب» ويزعم أنه باستطاعة الإنسان تحقيق ما يشاء من ثراء وغنى طالما أنه يتبع تعليماته ونصائحه. كانت رسوم حضور دوراته خيالية وتصل أحياناً لعشرة آلاف دولار! لم ينسَ هذا الكاتب أن يتأنق ويتجمل ويظهر بمظهر الثري حقّاً وكأنه وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب. كان يسكن فيلا فاخرة ويركب سيارة فارهة يتعمد التبختر بها في كل مرة يحضِّر لإلقاء دوراته ولا يتوانى عن التعريض بنمط حياته الباذخ الذي هو – على حد زعمه- نتيجة طبيعية لمبادئه التي يؤمن بها ويطبقها. وعندما قام أحد المتدربين السابقين لديه بمقاضاته نظير أضرار تسببت تعليماته في إحداثها، سقطت ورقة التوت وتبين أن كل نمط الحياة الباذخ الذي يعيشه ويتمتع به ليس إلا نتيجة قروض بالإضافة لما يكسبه من تدريب الناس وبيع الوهم عليهم. هو ليس ثريّاً لأنه يملك أسراراً خفية في الجذب والغنى، هو غني بسبب الناس الذين استطاع أن يمثل عليهم ببراعة فيبتلعوا الطعم ويدفعوا عن طيب خاطر ثمن حياة الرفاهية التي يحياها. لا شك في أهمية الخبرة والمحاولة – حتى لو كانت غير ناجحة- إلا أنها غير كافية، لأن النتائج شاهد ودليل على مدى جدوى المزاعم وصدقها لأي منهج أو فلسفة أو مبادرة حيث النيات والمحاولات وحدها لا تكفي، فالشخص الذي لم يصل للهدف أو الوجهة لا شك أنه يعرف جيداً أي الطرق التي لا تؤدي لتحقيق الهدف لكنه ربما يجهل خارطة الطريق ومسلكه الصحيح وهنا يكمن الفرق، وكما يقول د. غازي القصيبي «إن أحسن النيات لا تضمن أفضل النتائج». ورغم أننا ننطلق من منطلق يقرن النية بالعمل، لكن النية وحدها دون نتيجة لا تكفي. لذلك ربما من غير المجدي الذهاب لطبيب جلدية وجهه مليء بالبثور، أو الاستماع لمحاضرة عن أهمية الأعمال الريادية والعمل الحر من شخص يعمل في وظيفة تقليدية، أو تبني اقتراحات شخص فقير يتحدث عن الاستثمار وتنمية رأس المال، أو من يتحدث عن إدارة الغضب والنزاعات وينفجر كبركان في وجه من يخطئ بحقه عمداً أو سهواً.. فهل تصلح بابك عند نجار بابه مخلوع؟