إلى صديقتي التي تتبرع مشكورة – بحسن نية – بإعطائي محاضرات توعوية تساعدني على فهم أبعاد المشهد الذي أعيشه، فأنزف، وأتفجر، وأجوع. صديقتي الحبيبة سألتك بالله أن ترفقي بي، وبعقلي الصغير؛ فأنا لست مثلك؛ فمن المؤكد أن عقلي قد أصابه شيء من الاختلال: فأنا فقدت أخاً فوق المشانق، وأخاً آخر في الخنادق، وأماً ماتت من الحزن، وبيتاً صغيراً بنيته حجراً حجراً، ومكتبةً كانت تساعدني على الحياة، ورفقة جميلةً تفرقت، وأشياء أخرى كثيرة سئمتُ من تعدادها. صديقتي الجميلة: حين كنتِ تمارسين حقك الطبيعي في أن تكوني آدمية (كأن تتمتعي بتناول فنجان قهوة بالكريمة في أحد مقاهي الأرصفة المشمسة بباريس)، فهل تعرفين أن كثيراً كثيراً كثيراً من الناس هنا يعيشون في قعر جهنم؟ وهل تعرفين أن شراء بضع تفاحات لأطفالي مرة كل شهر كان حتى بالنسبة إلي تصرفاً طائشاً ينم عن التبذير وقلة التفكير في عواقب الأمور؟! وهل تعرفين أنني كنت أُشبِع ناظري من رؤية صغاري كلما خرجت من البيت خشية من بضع رصاصات يفرغها في رأسي مراهقٌ لا يعرفني ولا أعرفه؟ صديقتي الحبيبة: متى كانت آخر مرة تسمعين فيها صوت انفجار؟ صديقتي الحبيبة: حفظ الله أطفالك، هل تعانون من نقصٍ في المغذيات الوريدية؟ صديقتي الحبيبة: هل حدث لك مثلاً أن تفاجأتِ بشيء لين يسقط على أكتافك من السماء، وعندما تتفحصينه ملياً تكتشفين أنه جزء من فروة رأس لقتيلٍ في الشارع المجاور! صديقتي الحبيبة: أعرف أنك أذكى مني، بل إنكم كلكم «هناك» أذكى منا جميعاً «هنا!» وأحد أدلة، وأسباب اعتقادي – علاوة على نظافة الهواء عندكم – هو أنك نجحت في النجاة بروحك العزيزة من هذا الجحيم؛ بينما بقيت أنا – المغفلة وباقي المغفلين – في هذا الحمأ الذي يسمونه الوطن! صديقتي الحبيبة: أعرف أنك ستحتجين، وستذكِّرينني بأنك عانيت مثلي «وربما أكثر مني» قبل أن ترحلي، لكنني يا صديقتي سأجيبك بأنك لم تبقي لتشهدي الفصل الأكثر إثارة من المسرحية ذات العنوان الجميل: خراب الروح! حين يخشى كل بطل فيها أن يقتله جاره الذي كان يتقاسم معه الرغيف؛ لأنه تذكر فجأة أن له أقرباء من القرن السابع الميلادي عليه أن يثأر لهم و/أو يكمل جرائمهم، عندما يصبح المكان الوحيد الذي يلتقي فيه «أبطال» الطوائف «المتحابّة المتآخية» دون عراك أو ضجيج أو حقد صريح أو مقنع هو ثلاجة الموتى. صديقتي الحبيبة، صديقتي الذكية: أعرف طيبة قلبك، ومقدار حكمتك، فشكراً على دروسك القيمة، وسأحرص بالتأكيد على الاستفادة منها عندما أعود إلى الحياة!