على الرغم من القفزات التطويرية التي مرت بها معظم القطاعات الطبية في المملكة -التابعة لوزارة الصحة، والعسكرية، والجامعية- إلاّ أن «الطب النفسي» ما يزال يسير ببطء لم يواكب أقرانه، لا سيما في ظل تزايد السكان، وبالتالي ارتفاع عدد المرضى النفسيين، والتمدد الجغرافي في المملكة، إلى جانب ارتفاع الوعي المجتمعي تجاه الطب النفسي، وأصبحت زيارة الطبيب النفسي أمراً اعتيادياً لا ينظر إليه بثقافة «عيب» كما كان لدى كثيرين فيما مضى منذ زمن، في الوقت الذي لم يقابل ذلك كفاية في الجهود والبرامج المقدمة، مع وجود نقص للكوادر المؤهلة والقادرة على أداء العمل بأقصى جودة ممكنة، وخبرة وإمكانات تفيد من احتواء المرضى وجعلهم عناصر تخدم المجتمع ولا تشكّل عبئاً عليه. «ندوة الثلاثاء» هذا الأسبوع تناقش الرؤية المستقبلية للطب النفسي في المملكة، ومدى أهمية توحيد الرؤية بين القطاعات، وضرورة استحداث عيادات متخصصة في المسشتفيات العامة في كل المدن والمحافظات دون الاكتفاء بمستشفيات معزولة في بعض المدن، إضافة إلى أهمية دور القطاع الخاص في الطب النفسي. المريض النفسي لا يزال بحاجة إلى رعاية لاحقة واقع الخدمات الصحة في البداية، أكد "د.الحمد" على أن واقع خدمات الصحة النفسية الحالي في تطور وتقدم كبير، مقارنةً بما كان في السابق، مشيراً إلى أن هناك برنامجا تُقرّه "منظمة الصحة العالمية"على كل دولة، وتم وضع البرنامج في المملكة قبل ما يزيد عن (17) عاماً، وهذا البرنامج يُجدّد ويُحدّث كل عشر سنوات، وينبع من واقع الخدمات الموجودة في الدول المعنية، ويضع برنامجاً لتطويرها في مجالات الخدمات الصحية النفسية، متسائلاً عن مدى الالتزام بتطبيق البرنامج كاملاً بكل جوانبه التي من أبرزها تطور المستشفيات الخاصة بالصحة النفسية في مبانيها، وانتقلت إلى مبان حديثة وأصبح مستواها من حيث المكان والتجهيزات والأسرة أفضل بكثير من السابق، وأصبحت تتماشى مع المعايير الموجودة في الخدمات الطبية والتخصصات الطبية الأخرى، حيث كانت في السابق في مبان قديمة وغير مؤهلة، وأقل من المستوى المطلوب. د.الحمد: صُنّاع القرار يضعون غالباً «الطب النفسي» في مرتبة متدنية من الأولويات وقال إن من الجوانب التي وجدت بعد تطبيق البرنامج هو تطور الكوادر المعالجة، حيث تخرّج كثير من الأطباء السعوديين في تخصص الطب النفسي على مستوى استشاريين وأصبح العدد كبيراً وانتشروا في جميع مناطق المملكة، مبيناً أن في أغلب مدن ومناطق المملكة يوجد استشاريون في هذا التخصص يقودون عملية تطوير العلاج، إضافة إلى بروز متخصصين في الطب النفسي العلاجي، وعلم الصحة النفسية ومنهم من يحملون درجات الدكتوراه ويوجد مجموعة في كل منطقة من هؤلاء وإن كان لم يتطور الأمر بالنسبة لبرامج التدريب في الجامعات إذ يعد هذا نقصاً، بل ذهب أطباء الصحة النفسية إلى الخارج وحصلوا على التخصصات العليا هناك، إلى جانب تطور أدوية الصحة النفسية؛ لأنها كانت محدودة سابقاً في "وزارة الصحة"، والآن جميع الأدوية متوفرة وحديثة، وتواكب جميع التطورات الموجودة. تطور الخدمات واتفق "د.النملة" مع ما ذكره "د.الحمد" تجاه تطور الخدمات في مجال الصحة النفسية، مبيناً أنه من حيث نوعية الخدمات فيحتاج الأمر إلى تطوير أكثر، وليس بتعامل سطحي مع المرض النفسي دون اجتثاثه بشكل جذري، وبالتالي يظل المرض موجوداً، لاسيما أن الأعراض ومظاهر المرض قد لا تكون واضحة، موضحاً أن الخدمات العلاجية للمرضى النفسيين موجودة في معظم مناطق المملكة لكنها لا تغطي جميع المناطق، وإنما تتركز في المدن الكبيرة؛ مما يتطلب التوسع في إيجاد مركز لتقديم الخدمات العلاجية أكثر. نحتاج إلى عيادات أولية للكشف المبكر وتوفير العلاج داخل المنزل وتهيئة الخدمات المجتمعية وتجويدها.. تخصصات متأخرة وأشار "د.المديفر" إلى أنه يوجد تطور ملموس في مجال الخدمة الصحية بالمملكة، إلاّ أن تخصصات الصحة النفسية لدينا متأخرة كثيراً عن التخصصات الأخرى في المملكة بل وعلى مستوى العالم ككل، حيث نوجد في مرحلة متأخرة، وما نزال نجد معاناة في وصول الخدمات من حيث فلسفتها وتوزيعها داخل المدن، ويجد المريض صعوبة في الوصول إلى مركز تقديم الخدمة النفسية، حتى في المدن الكبرى مثل الرياض، يضطر المريض الذي يسكن في غرب الرياض إلى مراجعة مستشفى الأمل في شرق الرياض. وقال إن هناك تحسناً من حيث الخدمات والكوادر -خاصة في مستشفيات الأمل- إلاّ أن من ناحية الخدمات التأهيلية فإنها شبه متقدمة، إلاّ بعض المحاولات في مستشفى الأمل لتأهيل الإدمان، وهي قليلة ومحصورة في ثلاث مدن رئيسة، وشغلها الشاغل مرتبط بمعالجة الأزمات السريعة أكثر من التأهيل، مبيناً أن فلسفة العمل النفسي اليوم في "وزارة الصحة" شبيهة بالعمل النفسي قبل ثلاثين عاماً، وهذه هي أهم الإشكاليات الكبرى التي تعاني منها الصحة النفسية. تأهيل جغرافي واتفق "د.العنزي" مع ما ذكره "د.المديفر" تجاه التأهيل الصحي النفسي خصوصاً ما يتعلق بالتأهيل الجغرافي لمراكز التأهيل، موضحاً أن لدينا عيادات تأهيلية ملحقة بمستشفيات الرياض، وأخرى في "مستشفى اليمامة"، ولا نزال في البدايات بمجال التأهيل، ماعدا جهود "مجمع الأمل" في مجال الرعاية اللاحقة، مشدداً على أن المطلوب ليس توفير الخدمة، وإنما الاهتمام بالتوعية وتقديم الخدمة لشريحة أكبر، إلى جانب تطوير مجال التأهيل بما ينسجم مع آخر تطوراته في العالم. ثقافة اجتماعية وذكر "د.الوايلي" أن ثقافة المجتمع عن المرض النفسي مازالت متأخرة، إذ يوجد نوع من عدم التوازن ما بين الثقافة الاجتماعية الأم، والثقافة الفرعية لدى كثير من الجماعات، مبيناً أن لدينا تقدما من ناحية المباني، إلاّ أننا نعاني من ضعف الجودة؛ مما خلق فجوة بين ثقافة الجيلين، مبيناً أن الحكومة لم تقصّر في إنشاء المباني على أعلى مستوى، إلاّ أن مستوى الخدمة العلاجية مازال يجمع بين الغث والسمين، حيث إن لدينا أشخاصا غير مؤهلين يعملون في هذا المجال؛ مما يؤدي إلى إضعاف الخدمة العلاجية سواء للمرضى أو لدى أهل المرضى النفسيين، موضحاً أن لدينا كثيراً من الكوادر والأطباء النفسيين، إلاّ أنهم لم يوظفوا بشكل جيد، الأمر الذي أدى إلى تسّرب بعضهم من القطاع الحكومي إلى القطاع الأهلي. د.صبر: القطاع الخاص لا يزال متردداً في «الاستثمار النفسي» خوفاً من التكاليف وتبعات الحالات المرضية.. تكامل جهات وتداخل "د.النملة" حول تكامل الجهات في تقديم العلاج، وقال:"القطاع العسكري مهم في جانب الخدمات الطبية، إذ إن مستشفيات الحرس الوطني والجامعية كلها تملك مراكز متقدمة في زراعة الكبد والكلى والقلب وغيرها من التخصصات الدقيقة، وقد قدمت تلك المستشفيات صورة حسنة في جميع التخصصات، دون أن تُقدم صورة حسنة أيضاً في الجانب النفسي، منوّهاً أن هذه القطاعات العسكرية لديها كوادر وميزانيات كبيرة؛ وبالتالي فإنها من الممكن أن تؤدي دوراً مهماً خصوصاً في الجوانب التدريبية لكوادر الطب النفسي التي بدورها تُغذّي فيما بعد مستشفيات "وزارة الصحة"، مبيناً أن الخدمات التي تقدمها المستشفيات العسكرية وغير العسكرية في جانب تنويم المرضى النفسيين فإنه متأخر جداً مقارنة بمستشفيات وزارة الصحة. وعن مدى توافر مخرجات تعليمية في مجال الأمراض النفسية؟، علّق "د.الحمد" قائلاً: إن الموضوع يشتمل على مشكلتين الأولى ترتكز على أن صناع القرار يضعون غالباً تخصص الطب النفسي في مرتبة متدنية من الأولويات، بل ويكونون متحفظين وحذرين، وبعض الأطباء النفسيين الذين يديرون العمل يتماشون معهم إلى درجة أن بقي الأمر كما هو، حتى أصبحت خدمات الصحة النفسية وعدد الأسرّة لم يطرأ عليه أي تطور منذ (24) عاماً!. وأضاف أن المشكلة الأخرى تكمن في التخصصات والأقسام الطبية في الجامعات تنمو من جوانب أكاديمية لا تتوفّر في "وزارة الصحة" مثل تطوير التخصصات الدقيقة للطب النفسي في الجامعات نجدها أكثر، لافتاً أن للجامعات دورا كبيرا في تطوير التدريب بحيث يكون تدريباً شاملاً وواسعاً، إلى جانب إيجاد برامج تأهيلية للكوادر، حيث نجد الجامعات لا تملك برامج الماجستير في علم النفس الاكلينيكي، ولا برامج تأهيلية دقيقة في تخصصات الطب النفسي، مطالباً أن يُدرك صُنّاع القرار في المجالات الطبية والصحية أن الطب النفسي جزء مهم جداً لابد من تكامله مع التخصصات الأخرى، لا سيما أن المشكلات النفسية موجودة في المرضى الآخرين بنسبة عالية؛ مما يرهق خدمات الرعاية الأولية. د.النملة: التأمين الصحي لا يغطي المرضى وحقوقهم بحاجة إلى «وثيقة» والجهود لم تنسق بين الجهات الصحية جودة الخدمة وحول مدى جودة الخدمة المقدمة للمريض النفسي، وكيفية معالجة الأخطاء الطبية في هذا الجانب؟، أوضح "د.صبر" أنه كُلما تنوّعت الخدمات الطبية واتسعت دائرة الخدمة يجب ان يكون ذلك متزامناً مع جودة الخدمة المقدمة، ونحن مازلنا نتطور في تقديم خدمات الصحة النفسية، ومع هذا التطور قد يستعجل البعض في السعي لفتح بعض العيادات، وتطوير الخدمات؛ مما يؤدي إلى استقطاب بعض الكوادر غير المؤهلة تأهيلاً جيداً ومناسباً ليكون معتمداً عليه في تطوير هذه الخدمة. وأضاف أن من يختار هؤلاء الكوادر قد يكون غير مؤهل، مما يجعله لا يختار أشخاصا مؤهلين في مجال الخدمات الصحية والطب النفسي، وبالتالي تنعكس صورة غير صحيحة، فضلاً عن أن البعض لديهم شهادات مزورة، وكل هذه الأمور تطلب عيونا فاحصة للتدقيق في الخدمة المقدمة؛ خصوصاً أننا لا نملك برامج جودة مُلزمة لجميع مُقدّمي الخدمات النفسية، سواءً في القطاع الخاص أو في القطاع الحكومي تُلزم هذه القطاعات أن تُقدم خدمات الطب النفسي والصحة النفسية وفق معايير جودة معينة، حيث إن إمكانية التطبيق الحالية اختيارية، وتتم باجتهادات فردية على مستوى مؤسسات فقط، وليس ملزماً لجميع المستشفيات. تخصصات علمية وعلّق "د.الوايلي" قائلاً إن الجامعات لم تول تخصصات الأمراض النفسية العناية الكافية، خصوصاً من ناحية تأهيل الاختصاصيين النفسيين، لهذا عندما يتخرج الطالب يُعيّن في أقسام الخدمات العلاجية على الرغم من أنه غير مؤهل لذلك، مبيناً أن الخريجين الذين يعملون في القطاعات الحكومية أو الأهلية غير واثقين من أنفسهم بشكل جيد وهم بأنفسهم يعترفون بهذه المشكلة، فضلاً عن أن بعض هؤلاء الأطباء النفسيين يتفاخرون بوصولهم لتلك المكانة العلمية دون أن يسعون إلى تطوير مهاراتهم المهنية، مبيناً أن المشكلة تكمن في عدم تطوير أنفسنا على مستوى الذات، وبالتالي لا نستطيع أن نصل إلى العقل الجمعي بشكل كبير، مما يحتاج إلى توعية اجتماعية أكبر من قبل المؤسسات الحكومية التخصصية سواء المستشفيات أو الجامعات، وفق خطة استراتيجية مستقبلية. د.المديفر: سياسات «الصحة» تجاه القطاع لم تتغير منذ ثلاثين عاماً.. والتخصصات متأخرة ربط الأمراض وعن مدى تأثير الواقع الحالي على خدمات الصحة النفسية؟، أوضح "د.العنزي" أن وصمة الأمراض النفسية تحد من التوسع على مستوى البنى التحتية والبرامج العلاجية؛ وذلك لعدة أسباب أبرزها المكون الثقافي والديني لكل مجتمع من حيث ربط هذه الأمراض بالعين أو الحسد الذي ساهم بدوره في إعادة هذه الأمراض لأشياء غير طبية، وبالتالي عدم الاهتمام بها من المسؤولين والمختصين، وأصبح من الصعب إقناع المسؤولين بهذا الأمر، وكذلك على مستوى المتخصصين في الأمراض النفسية في الجامعات والمستشفيات تجد لديهم تقليلاً من شأن الأمراض النفسية، وهذا مما خلق لدينا عدة مشكلات. وأضاف: حتى نستطيع أن نعالج تلك المشكلات لابد من وضع برامج وطنية موحدة بمشاركة جميع القطاعات، بحيث يكون أساسها قائماً على إزالة الوصمة من المجتمع بصفة عامة، والمسؤولين بصفة خاصة، وفق برامج مبنيّة على دراسات تلخّص المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والخسائر الاقتصادية جراء عدم التعامل السليم مع هذه المشكلة، خاصة أننا نعاني من نقص كبير في الدراسات عن هذه القضية المهمة. مشكلات متعددة وتداخل "د.المديفر" عن المشكلات التي يتضرر منها المريض أو المجتمع في الصحة النفسية، مبيناً أن "الصحة النفسية" مهمة للأمراض العضوية كما هي مهمة للأمراض النفسية، حيث إن هناك علاقة تبادلية بين الأمراض العضوية والصحة النفسية، ولكن ما يحدث لدينا أن الصحة النفسية بلا أب، إذ أصبح مرضاها لا يجدون العلاج الجيد، حيث إن هناك نقصا في عدد الأطباء، وقلة في عدد الأسرة في المستشفيات، إضافة إلى أن المريض النفسي لا يشمله التأمين، وهذا من أكبر العوائق الواضحة. وأشار إلى أن أوامر العلاج في "وزارة الصحة" لا تشمل الأمراض النفسية، مما جعل كل هذه الأمور تؤدي إلى توهان المرضى النفسيين، وأصبح بالتالي رجوعهم إلى صحة نفسية أفضل أقل، وزادت مشكلاتهم حتى دخل بعضهم إلى السجون، وبعضهم ترك العمل بسبب الاكتئاب، وبالتالي نجد أن المجتمع خسر شخصاً منتجاً تحول إلى شخص عالة على المجتمع، من هنا يتضح أن تبعات الإهمال لها تأثيرات كبيرة على زيادة نتورة وزارة الصحة ككل وعلى مستوى التفكك الأسري، وقد أثبتت الاحصاءات العالمية أن أكثر الأمراض تأثيراً على الناتج القومي هي الأمراض النفسية كالاكتئاب، وانفصام واضطرابات المزاج، على هذا فإن الاهتمام بالصحة النفسية ليس ترفاً وإنما عدماً لاهتمام بها يترتب عليه فاتورة عالية التكاليف على الأمن والتعليم والصحة وعلى وزراة المالية. وأضاف أنه يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، مبيناً أن هناك تركيزا على إنشاء المستشفيات الخاصة بالمرضى النفسيين، في حين تسعى بعض الدول المتقدمة إلى تقليص أعداد مستشفيات الصحة النفسية، بل هناك دول أغلقت المستشفيات النفسية وافتتحوا أجنحة داخل المستشفيات العامة، وأعطت على ذلك نتائج كبيرة ليس على المرضى فقط، بل على الأسرة وعلى إزالة قضية الوصمة، واشتملت تلك الفكرة على إنشاء عيادات أولية للمرضى النفسيين وتوفير خدمات مُكثفة تسهم في علاج المريض بين أسرته، إضافة إلى تهيئة الخدمات المجتمعية، حيث لدينا تجربة في المجتمع عُرضت على مستوى الوزارة وأقرها معالي وزير الصحة، وتهدف إلى إنشاء خدمات مجتمعية داخل تلك المجمعات، مبيناً أن التركيز عليها ليس بالشكل الكافي حيث أن المجتمع نفسه لم يعد يستوعب تلك الفكرة. د.العنزي: ننتظر مخرجات التعليم لسد العجز والاهتمام بالتوعية وبرامج التأهيل وعلّق "د.الحمد" عن فكرة إغلاق المستشفيات المتخصصة للصحة النفسية، واستبدالها بأجنحة في المستشفيات العامة، وقال:"السياسة الحديثة في تقديم الخدمات النفسية تشتمل على ثلاثة مستويات، أولها في مراكز الرعاية الأولية عبر برنامج الرعاية النفسية في وزارة الصحة وشاركت فيه باعتباري المنسق الوطني بإعداد دليل ودورات تدريبية، ولكن لا أعلم أين انتهى ذلك البرنامج وهل توقف أم مازال مستمراً في أداء مهمته؟، مبيناً أن هذا المستوى الأول يتطلب وجود مراكز رعاية أولية لاستقبال المرضى النفسيين داخل الحي والهدف من ذلك أن تكون الخدمة النفسية متوفرة وقريبة من المريض داخل الحي، موضحاً أن الامكانات غير متوفرة الآن لتطبيق ذلك، ولو كانت متوفرة فهي في حدود ضيقة جداً؛ لهذا يجب على الوزارة أن تتوسع في هذا الجانب تدريجياً بتدريب الأطباء العامين، والأطباء الذين يعملون في مراكز الرعاية الأولية. وأضاف المستوى الثاني يتضمن المستشفيات العامة، بحيث لا تقتصر الخدمات النفسية فيها على العيادات فقط، بل لابد أن يصاحب هذه العيادات عدد من الأسرّة للحالات الطارئة، وإيجاد أسرّة للحالات الهادئة، فلو وجد في كل مستشفى بالرياض أياً كان قطاعه عدد (20) سريراً لكل مستشفى، وتكون مهيئة بشكل جيد، يكون لدينا صحة نفسية قريبة لكل مريض وأسرة؛ لأن معظم الأسر والعوائل لا يعلمون كيف يُحضّرون مرضاهم النفسيين ولا يعلمون بمن يمكن أن يتصلون به، بل لا يستطيعون أن يصلون إلى الخدمة بسهولة. وأوضح أن المستوى الثالث يشتمل على المستشفيات الموجودة الآن، ويجب أن تكون متخصصة في نوعيات من الحالات الدقيقة، مثل المستشفيات الموجودة الآن ويجب أن تُهيأ لتكون متخصصة في نوعيات من الحالات الدقيقة، مثل حالات مقاومة الاكتئاب والهوس الاكتئابي، ومقاومة الانفصام، وتلك الحالات تحتاج إلى تأهيل، إضافة إلى نوعية من العلاج النفسي، عند ذلك نستطيع أن نقول لدينا خدمات صحية نفسية متكاملة بشكل صحيح، وكل هذه الأمور لا يمكن أن تتم إلا بوجود استراتيجية تعتمد على البرنامج الوطني للصحة النفسية. د.الوايلي: نعاني من عاملين غير مؤهلين في التعامل مع المرضى.. والخبرات تتسرب! القطاع الخاص وتساءل الزميل "حمد بن مشخص" عن سبب عدم مبادرة القطاع الخاص إلى إنشاء مستشفيات الصحة النفسية في ظل أننا نعاني من نقص كبير في عدد الأسرّة، لاسيما أنها ستكون مربحة مادياً؟. واعترض "د.صبر" على عبارة "مربحة مادياً"؛ لأن القطاع الخاص لو وجد أن تقديم خدمة الصحة النفسية مربح مادياً لسعت إليه جميع المستشفيات في القطاع الخاص، حيث إن هناك إشكالية كبرى في عملية التنويم؛ لأن المريض النفسي إذا احتاج إلى تنويم فهو مريض مضطرب والاضطرابات قد تصل إلى درجة شديدة، ويصبح التعامل معه والسيطرة عليه مكلف مادياً ويحتاج إلى كوادر مؤهلة وطاقة كبيرة؛ لأن المريض قد يُقدم على أفعال ربما تحمل المستشفى التي ينوم فيها مسؤوليات كبيرة، فإذا انتحر أو اعتدى على شخص آخر في المستشفى أو هرب فإنها تكون مشكلة كبرى، وكل هذه الحالات تجعل كل المستشفيات تمتنع من فتح أقسام للصحة النفسية، وتجعلها مصدراً لمشكلات كبرى وهذه من الأسباب المباشرة التي تمنع القطاع الخاص من فتح أقسام للصحة النفسية. عيادات خاصة وعن كيفية تطوير العيادات الموجودة لتصبح مستشفيات؟، أوضح "د.العنزي" أن المشكلة تكمن في نقص الكوادر الفنية من أطباء وممرضين وأخصائيين اجتماعيين، لاسيما أن وزارة الصحة تعاني من ذلك، فما بالكم في القطاع الخاص، مبيناً أن العيادات التي يتم فيها مقابلة المرضى كافية، ويوجد لدينا توسع. وأوضح "د.صبر"أن المعادلة صعبة جداً فيما يتعلق بالخدمات الطبية النفسية في القطاع الخاص وذلك بالموازنة بين الربح المادي، والمحافظة على أخلاقيات المهنة، وتقديم خدمة جيدة. وعلّق "د.الوايلي" عن جزئية المكسب المادي متسائلاً عن كيفية عدم وجود ربح في القطاع الخاص بالطب النفسي، ويوجد لدينا تسرب وظيفي من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص بشكل كبير!. وأضاف أن حلول تطوير واقع الطب النفسي تحتاج إلى تكاتف، ونظرة تكاملية لجميع التخصصات للأطباء النفسيين، إلى جانب تفاعل أكبر، وحرص وتفان على تقديم العملية العلاجية للمرضى النفسيين، إلى جانب الاهتمام بالجانب الأكاديمي لكي نوفر أطباء مؤهلين، ونحتاج إلى البعد عن الصراع التخصصي الذي مازال على أرض الواقع منذ القِدم، ويعيد بناءه حالياً بشكل كبير ومقلق. مريض نفسي بمستشفى الأمل في الرياض يمارس نشاطه الرياضي مع الأخصائي توحيد الرؤية وحول تأسيس رؤية رؤية جديدة للصحة النفسية في المملكة، سواءً على مستوى وزارة الصحة أو القطاعات الأخرى، دعا "د.النملة" إلى توحيد الرؤية بين القطاعات؛ لأن عدم توحيدها تسبب في إيجاد نوع من التقاطع في كثير من الأمور، مطالباً مجلس الخدمات الصحية بالسعي الجاد لجميع القطاعات الصحية كلها متمثلة في وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية، والجامعية، والتخصصية؛ للاستفادة من الخبرات من أجل خلق رؤية موحدة للصحة النفسية، فمادام هناك اختلاف في وجهات النظر فيما يخص الصحة النفسية فإننا نحتاج إلى رؤية موحدة منطلقة من مجلس الخدمات الصحية وأن يوافق عليها ويعتمدها بموافقة جميع الجهات. وتداخل "د.المديفر" حول توحيد الرؤية بين القطاعات، وقال: لا أعتقد أن هناك ضرراً كبيراً من الاختلافات في وجهات النظر؛ لأنها موجودة في جميع القطاعات غير الطبية، وإنما لدينا حاجة ماسة إلى حلول تشريعية تُلزم المستشفيات العامة في المدن والمحافظات بإيجاد أسرّة للأمراض النفسية؛ حتى نواكب التطورات العالمية في مجال الصحة النفسية، مقترحاً أن يشكل التأمين الصحي مرضى "الصحة النفسية"، ولو بحدٍ أدنى، مبيناً أنه غير مكلف حيث يقارب أمراض السكر والكبد، إلى جانب الإسراع بإصدار قرار الصحة النفسية الذي يشمل حق المريض النفسي، إضافة إلى العمل الجانب الوقائي بحيث يكون لدينا حد أدنى من الثقافة النفسية داخل المجتمع، بل وداخل المدارس الثانوية، داعياً إلى حث الجامعات على إيجاد برامج تدريبية لقطاع الصحة النفسية، ويشترط فيها أن تكون عيادية. وتداخل "د.الحمد"، قائلاً: إن رجل الأعمال المستثمر لا يهمه إن كانت الخدمات غير موجودة أو غير مكتملة أو غير متطورة بقدر ما يهمه ما ستدر عليه من أرباح، منوّهاً أن الخدمات النفسية الطبية الداخلية الخاصة بالتنويم والتأهيل النفسي مكلفة مالياً؛ لأن أثرها لا يظهر إلاّ بعد شهور، والاستثمار فيها مكلف ويحتاج إلى دعم، مقترحاً أن تشتمل الخطة المستقبلية التركيز على تحديث البرنامج الوطني للصحة النفسية في "وزارة الصحة" وننطلق منه، إلى جانب تطوير التخصصات الدقيقة؛ لأنها غير متوفرة لدينا، ففي مجال صعوبات التعلم لا يوجد لدينا سعودي متخصص في صعوبات التعلم في مجال الطب النفسي!. خطة تطوير وحول برامج خطة تطوير الصحة النفسية؟، شدّد "د.العنزي" على ضرورة تغيير النظرة القديمة للطب النفسي وخدماته وطريقة العلاج، وهذا لا يتم إلا بتظافر الجهود، مقترحاً إيجاد مجلس للخدمات النفسية والاجتماعية على غرار مجلس الخدمات الصحية؛ لأن هذا المجلس سيوفر لنا الجهود من الجهات الأكاديمية ومخرجات التعليم. نقص توعية وتساءل الزميل "هشام الكثيري" عن نقص برامج التوعية في الصحة النفسية، حتى بات المصابون بأعراض نفسية بسيطة يرفضون الذهاب إلى العيادات بحجة أنهم ليسوا مجانين؟. وأجاب "د.صبر" قائلاًً إن تلك المشكلة قديمة، ولكنها بدأت في التلاشي تدريجياً، حيث مازلنا نرى من يحتاج إلى مراجعة العيادات النفسية يتردد كثير في طلب العلاج حتى يتفاقم المرض ويضطر أن يأتي في حالة متأخرة يصعب معها العلاج، وقد يحضره ذووه بالقوة، منوّهاً على أنه ليس لدينا الوعي الكافي، ولكن بدأ ينتشر بشكل أفضل فيما يتعلق بالأمراض النفسية، خصوصاً في العشر سنوات الأخيرة أصبح لدينا عدد كبير من المراجعين لا يتحرجون من زيارة الطبيب النفسي. ذوي الاحتياجات الخاصة وفي مداخلة من الزميل "طلحة الأنصاري" تساءل خلالها عن مدى الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من الناحية النفسية من خلال دمجهم في المجتمع، وماهي الجهود تجاه التعامل مع هذه الفئة بشكل يحقق لها حالة نفسية سوية كغيرهم من الأصحاء بدنياً؟. وعلّق "د.المديفر" قائلاً: يوجد جهود مبذولة للمعوقين حركياً من جهات عديدة، أما الاعاقة غير الحركية أو الذهنية فالجهد تجاه هذه الفئة محدود، وإن تنازعتها "وزارة التربية والتعليم"، و"وزارة الشؤون الاجتماعية"، و"وزارة الصحة"، تظل هناك حلقة مفقودة على الرغم من محاولات لا بأس بها من قبل القطاع الخيري وبعض القطاعات الخاصة. وأشار "د.الحمد" إلى أن الأيتام ومجهولي الأبوين مهملين من ناحية تأهيلهم نفسياً للدخول في المجتمع والاندماج فيه، داعياً إلى إيجاد خدمات نفسية كبيرة تتواكب مع نمو الطفل من طفولته حتى يكبر ويتخرج من المرحلة الابتدائية والمراحل الأخرى المتوسطة والثانوية والجامعية، ومن ثم دخوله في معترك الحياة والمجتمع؛ لأن مثل هؤلاء لهم ظروف خاصة، وتنتظرهم صعوبات كبيرة في عملية الاندماج مع المجتمع سواء في شخصياتهم أو مشاكلهم الاجتماعية في العمل ومع المجتمع؛ مما يجعلنا نحتاج إلى إيجاد برامج وجهود كبيرة في هذا الجانب. القطاع الخاص.. خيار لم يكتمل دعماً واستثماراً أكد "د.عمر المديفر" على أن ما ينقصنا في ظل التسرب الوظيفي إلى القطاع الخاص هو التأهيل والتدريب، مشيراً إلى أن هناك تخصصات نحتاجها بشكل كبير، وتحديداً في تخصصات الخدمة النفسية، مبيناً أن نقص الكوادر البشرية المؤهلة هاجس يحتاج إلى حل جذري. وتداخل "د.أسعد صبر" ذاكراً أن أهم ما نحتاجه في مجال تطوير الصحة النفسية هو إيجاد إحصائيات وبحوث عن الأمراض النفسية في المملكة؛ حتى نعرف الاحتياجات الفعلية وكيفية تطويرها، إلى جانب دخول القطاع الخاص بشكل أكبر في مجال الصحة النفسية، مع إيجاد ربط في المعلومات ما بين القطاع الخاص والحكومي مثل الملف الصحي الالكتروني عن المريض، إضافة إلى تأهيل الكوادر وتطويرها في جميع المجالات، خصوصاً المجال النفسي. وعن دور القطاع الخاص فيما يتعلق بالصحة النفسية؟، بيّن "د.أسعد صبر" أن القطاع الخاص خطى خطوات جيدة خلال ال(15) عاماً الماضية؛ نتيجة المرونة في تقديم الخدمة، وإمكانية إتاحة الخدمة للمريض، وكل هذه الأمور شكّلت دوراً في دفع القطاع الخاص لتقديم الخدمة لمريض الصحة النفسية، منوّهاً أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى عدم تطور القطاع الخاص في مجال العلاج النفسي وبعضها مادية وأخرى لوجستية. وقال:"أرى أن القطاع الخاص يؤدي دوراً متقدماً في مجال الصحة النفسية، إلاّ أنه يحتاج إلى دعم من عدة جوانب منها برامج التأهيل، والبرامج التوعوية، وبعض البرامج التي تتيح للقطاع الخاص أن يتوسّع في تقديم الخدمة، خصوصاً التنويم للمريض النفسي، إذ من الملاحظ أن خدمة العيادات الخارجية متوفّرة ومتاحة، إلاّ أن خدمة التنويم في المستشفيات الخاصة مازالت متأخرة جداً. دمج المرضى في المستشفيات أفضل الحلول! قال "د.عمر المديفر" -معلقاً على التطلعات تجاه تطوير مجال الصحة النفسية-: "ربما نتفق جميعاً أن الصحة النفسية والطب النفسي يأتيان في مؤخرة الأولويات بالنسبة للقطاعات الصحية ككل، سواءً في القطاع العام أو الخاص أو القطاعات العسكرية، بل نجد أن كل القطاعات الطبية تتنصّل عن مسؤولياتها في الصحة النفسية بتبريرات مختلفة، مبيناً أن تشخيص الأطباء النفسيين لأزمة الواقع ينحصر في أمرين، أولهما أن "الصحة النفسية" تأتي في آخر الأولويات، وثانيهما هو أن المسؤولين في الصحة النفسية على مستوى القطاعات بشكل عام يفكرون بعقلية الستينيات من القرن الماضي التي تنظر إلى الصحة النفسية على أنها عبارة عن نفسيّات وأسرّة -على حد قوله-، ذاكراً أنهم طالبوا كثيراً بإيجاد خدمة نفسية في جميع المستشفيات العامة حتى ولو كان عدد الأسرّة لا يتجاوز (20) سريراً ما بين عيادات وتنويم. وأضاف أن ثقافة المجتمع تعتبر المريض النفسي "مجنونا"، ومن ثم إبعاده عن الناس، مبيناً أن مدينة الملك سعود الطبية (الشميسي) لا يوجد فيها جناح للأمراض النفسية، وكذلك لا تجد في مستشفى مكة جناحاً للصحة النفسية، وأيضاً في جدة والمدينة والدمام كل المستشفيات العامة في هذه المدن وغيرها، بينما ترى مستشفيات منعزلة عن المدن بمسافة (20 كيلاً) للمرضى النفسيين؛ مما يؤصل ثقافة "العيب" بالنسبة للأمراض النفسية وفق السياسات القديمة التي لا تزال مُتبعة، وتُكرّس مبدأ أن المريض النفسي شخص خطير يجب أن يُبعد عن الناس، وأن لا يترك يختلط مع المرضى الآخرين، وهو الأمر الذي يؤكد على أنه لا يوجد لدينا نموذج للصحة النفسية. المشاركون في الندوة أ. د. عبدالرزاق الحمد أستاذ واستشاري الطب النفسي بجامعة الملك سعود د. مهدي العنزي مدير الإسعاف والطوارئ بمجمع الأمل ومشرف خطة التطوير النفسية بصحة الرياض د. رياض النملة المساعد للخدمات الطبية بمجمع الأمل واستشاري الطب النفسي د. عمر المديفر استشاري الطب النفسي بالحرس الوطني د. أسعد صبر استشاري الطب النفسي المتخصص في علاج الإدمان والصحة النفسية د. عبدالله الوايلي أخصائي الصحة النفسية