نستطيع أن نقول عن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دول الخليج العربي إنها ناجحة باتفاق الأغلبية على نجاحها، ولعل ذلك المقياس كان بالترحيب الحار من القادة والعامة للملك أثناء وصوله لأي عاصمة خليجية؛ حيث أمتعتنا القنوات الفضائية بالفقرات الجميلة للاحتفالات التي أقيمت ترحيباً بالملك سلمان، وهذا ليس بمستغرب على شعوب دول الخليج أن تود وتحترم بعضها بعضاً، ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة وخاصة بعد ما يسمى «بالربيع العربي» زيادة التلاحم بين شعوب دول المنطقة، وأن الحساسيات التي كانت تُزرع وتُعزز آنذاك وخاصة من خلال الرياضة وتحديداً بطولات كرة القدم التي كانت تحضر معها بعض التعصب الرياضي بين أبناء المنطقة، فقد اختفى أغلب ذلك التعصب بين أبناء شعوب المنطقة وأصبحت من الماضي، وهذا يعود للوعي الكبير الذي يعيشه الآن أغلب المجتمع الخليجي بتنوع شرائحه وطوائفه، هذه الدلالات والمؤشرات دفعت القادة إلى تعزيز التلاحم وترسيخه بين مجتمعات دول المنطقة من خلال التسهيلات في أغلب المعاملات التجارية والتنقل والسكن وغيره. زيارة الملك سلمان التاريخية التي قام بها إلى دول المنطقة كان توقيتها مدروساً للغاية، فقد ألجمت تلك الزيارات كثيراً من الأبواق الناعقة والحاقدة التي تريد إحداث الصدع بين دول الخليج من خلال دس السم في التأويلات أو التحليلات التي يقومون بنشرها في كثير من المواقع الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي لعل بعضهم قد يصدقها، ولم يعلم هؤلاء أن الوعي زاد وانتشر بين أبناء المنطقة بشكل كبير، وأن مجتمع الخليج أصبح يعي كل الأمور وينظر إليها بمنظار الحامي لوطنه، وأنه يقدم روحه وماله فداء لوطنه، لذلك أقول: آن الأوان لتجفيف منابر الطائفية في كل دول المنطقة، ومهاجمة من يروج لها عبر منابره الخاصة والقضاء عليه حتى تنظف بلادنا من الطائفية النتنة والقبلية البغيضة. ومن خلال القراءات من بين السطور فقد حتم الوضع الدولي الراهن الذي يفهمه أبسط مطلع على السياسة على قادة دول الخليج بأن المتغيرات الدولية وخاصة من القوى الحليفة لنا التي لم تراعِ إلا مصالحها فقط دون أخذ الاعتبار بالحلفاء سواء كانوا حلفاء استراتيجيين أو حلفاء اقتصاديين؛ لذلك ركزوا على أن يكون الاعتماد الكلي بعد الله على مجتمعاتهم، وأن هذا الأمر يأتي من الأوليات المهمة، وهذا الاعتماد لن يأتي إلا من خلال فتح باب المشاركة للمواطن في مناقشة قضاياه المصيرية وإشراكه في الرأي، وبالتالي يصبح صوت المواطن مؤثراً أكثر من أي وقت مضى، ويصبح شريكاً في التنمية والتطوير، وهذه الأصوات لا تكون من خلال المنابر غير المعترف بها إنما عبر مجالس الشورى وجلسات الحوار الوطني، والبرلمانات الخليجية، كما أن الزيارة الملكية لدول الخليج عمقت ورسخت مبدأ الأخوة والمحبة بين القيادة والشعوب، وهذه رسالة لكل عدو سواء في الداخل أو الخارج لصور التلاحم التي تمت بين قيادات المنطقة، وأن أبناء الخليج شعب واحد ومصيرهم واحد. والمملكة بصفتها الدولة الأكبر مساحة والأكثر شعباً هي المعنية بحماية دول المنطقة بعد الله سبحانه وتعالى، وما حدث في الكويت أثناء أزمة الخليج قبل عقدين ونصف دليل على تحمل المملكة المهام الدفاعية عن دول المنطقة؛ حيث تم فتح البيوت والمدارس والقلوب للشعب الكويتي آنذاك، وتم تسخير وطن بأكمله لإعادة الشرعية في الكويت، وكان وقتها الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله أميراً على منطقة الرياض، وكان حفظه الله مترئساً اللجنة التي شكلت آنذاك في تيسير أحوال الأسر الكويتية التي قدمت إلى الرياض، وكان يعمل طوال الليل والنهار في قصر الحكم بالإمارة، حتى تكشفت الغمة وانتهت الأزمة، كذلك التدخل السريع الذي أمر به الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في البحرين بعد حالات الشغب التي حصلت في البحرين قبل عدة سنوات، وتم إخماد ذلك الشغب في أقل من يومين، وهذه الدلالات توضح مدى حرص حكومة المملكة وشعبها على حفظ الأمن في دول المنطقة، وأنه جزء لا يتجزأ من أمنها؛ لهذا فقد طالب الكثيرون في الإسراع بإقرار الاتحاد الخليجي الذي بات مطلباً مهماً لأبناء المنطقة، وخاصة بعد المتغيرات التي نشاهدها من دول الجوار وما يحدث فيها من قتال واحتراب وتشتت، فاتحاد خليجنا سوف يضفي على المنطقة قوة عسكرية واقتصادية، وبهذا يكون اعتمادنا على أنفسنا ولا يكون على غيرنا. ختاماً ما شاهدناه من حفاوة بالغة بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دول الخليج العربي إنما يدل على الترابط القوي والمحبة والألفة بين دول المنطقة، وهو مؤشر اطمئنان للجميع بأن خليجنا يسير بالشكل المأمول والمخطط له.