كيف تحولت حياتنا إلى نوادٍ اجتماعية لأي شخص صلاحية الحصول على عضويتها للحصول على تصريح رسمي وشرعي بالدخول متى شاء إلى أدق تفاصيل هذه الحياة؟! كيف تحولت منازلنا إلى «خرابات» أنيقة بشكل عصري دون أسقف ولا جدران ولا أبواب، متاحة لكل عابر طريق ولكل فضولي ولكل صاحب مصلحة أن يلج إليها وأن يتفرج على محتوياتها وأن يتعرف على أفرادها، وأن يحمل أثمن ما نمتلك إن كان بلا ضمير ولا أخلاق!! كيف تحولت خصوصياتنا أغلى حقوقنا إلى عموميات، مفتوحة، ومكشوفة؟؟ إلى أي زمن ننتمي؟؟ ما هي الهزة الأرضية التي تعرضت لها حياتنا لكي نتغير بتلك الصورة السريعة، والمخيفة والعشوائية، والمندفعة ودون أن تكون لدينا أجهزة تحكم ذاتية تجعلنا «نفرمل» ونهدئ السرعة، لكي نواصل سيطرتنا على حياتنا وعلى خصوصياتنا وعلى ممتلكاتنا وعلى أبنائنا وعلى أحاسيسنا؟؟ وأن نحافظ على حق طبيعي وشرعي وقانوني: الحق في ألا يقتحم أحد شؤوننا ولا أن يعرفها ولا أن يتطفل عليها، إنها ثقافة أخلاقية وسلوك راقٍ ومتحضر، وشكل من أشكال الحياة الحقيقية، التي نتمتع فيها بحق مشروع في الخصوصية ونحمي أنفسنا وحياتنا من التطفل، نحتمي بعزلة اختيارية أو وحدة ذاتية نمنع الآخرين مهما كانت مسمياتهم أو علاقتهم بنا من أن يكونوا شركاء في شؤوننا الخاصة. إنه حق يتاح لك من خلاله عدم الكشف عن حقائق تتعلق بك وبحياتك وتمنع عنك كل أشكال الدعاية التي تعرضك لوضع خاطئ أمام المجتمع، إنها الخصوصية الحق الشخصي فكيف تحولت الحقوق إلى تهاون في الحفاظ عليها وإلى هوان في طريقة التعاطي معها وإلى تشويه في قيمتها وإلى رخص في مفهومها؟؟ يبدو أن التطور التكنولوجي المذهل لم يتِح لبعضهم الفرصة لالتقاط الأنفاس أو للوعي بطريقة الاستخدام، لقد حدث الأمر فجأة ووجد بعضهم نفسه أمام وسائل تواصل، تتيح لهم تقديم طرق وأساليب جديدة لكي يشعروا بتقدير الذات ولكي يشيعوا عن أنفسهم صور براقة تكسبهم الاحترام الذي يظنون أنهم سيحظون به من الآخرين حينما يزيلون الحواجز، ويفتحون الأبواب، ويشرعون نوافذ حياتهم على الملأ، لكل فضولي يريد أن يتلصص ولكل متلصص يريد أن يعرف ولكل حاقد وحاسد أو متربص أو مترصد يريد أن يستفيد من الاطلاع على تلك الخصوصيات وعلى التفاصيل الغالية التي تخصنا. أصبحت أماكن السكن، والممتلكات الخاصة وموائد الطعام والمشتريات، والرحلات والسفر، والملابس، والأطفال والزيارات العائلية والاحتفالات الأسرية، وحتى التنقل بالسيارة شأناً للعامة… وليس شأناً خاصاً. وتعدى الأمر من نقل الحياة الخاصة وتفاصيلها إلى اصطناع حياة وهمية، غير حقيقية، من أجل مزيد من الاهتمام ومزيد من الشهرة ومزيد من المتابعين ومزيد من الضغط على أزرار الإعجاب، تمادى بعضهم في الانغماس في لعبة التواصل وفي التهور في استخدام التكنولوجيا الحديثة وفي شكل الاندفاع، بإدمان هوس مواقع التواصل، والحضور فيها وحشد مزيد من المتابعين عليها، وتقديم مزيد من التنازلات من أجل ذلك الهدف. أدمن بعضهم الأمر حتى الكذب والحياة في واقع افتراضي زائف يبعد به عن حقيقته، عالم غير واقعي أبرز مكوناته دافع التباهي ذلك الشعور النهم الذي يتطلب مزيداً من الصور لمزيد من المشاعر الزائفة، لذا أصبحنا نعيش عوالم مغشوشة كل شخص فيها يكذب على الآخر، ويصطنع حياة، ويصور شكل الترف والبذخ والشراء المحموم من أجل تغذية شعور المباهاة. واستثمرت بعض الشركات هذا الأمر وأصبحت تعزز هوس بعضهم في استخدام جميع الوسائل لاكتساب المعجبين، والمتابعين، فكلما زاد عدد المتابعين كان صاحب الحساب متميزاً، يتم الاستعانة به للتسويق الدعائي، فيحصل على مبالغ مالية، الأمر الذي يحرض على إنعاش هذه الظاهرة وتحويلها إلى واقع يسرق منا قيماً وينتج قيماً ويصنع ثقافات هشة. والغريب أن من سقطوا في براثن مواقع التواصل وهوس الظهور فيها كُثر وليسوا العامة فحسب، ولكن منهم فنانين في الغناء وفي التمثيل ومنهم محسوبون على دعاة، ومشاهير في مختلف الميادين، تعرى فكرهم وسقطت أقنعتهم وظهرت حقيقتهم، بذلك السقوط في هوس النجومية والظهور والحضور على وسائل التواصل. الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي وإدمانها أفرز شكلاً جديداً من الجرائم هي الجرائم الإلكترونية، التي تزداد نسبة مرتكبيها، وأقل أشكالها خطورة هو الابتزاز، والتهديد، وانتحال الشخصيات، وفي أبشع صورها وأخطرها وصلت للقتل وإزهاق الأرواح، الأمر الذي يتطلب توعية، ويقظة في كيفية الحفاظ على الحياة والممتلكات بالحفاظ على الخصوصية.