بدأ كثير من الناس إظهار عدم المبالاة بالمشاكل أو القضايا التي تكون ضمن حدود محيطهم سواء داخل الأسرة أو مع الأصدقاء، فتجدهم يرددون عبارة «وش دخلني؟»، أو «ما لي علاقة»، أو «ما يخصني»، مما يعطي انطباعا للآخرين أن هذا الشخص لا يريد أن يتحمل تبعات رأيه، فيما يريد البعض الآخر من عدم التدخل البعد عن المشاكل، وعدم الوقوع في «فخ» الفهم الخاطئ، ليبرز السؤال: ما هي الدوافع للتنصل من إبداء الرأي حول بعض المواضيع المتعلقة بالأسرة أو الأصدقاء، أو حتى في كثير من الأحيان مع الإخوة؟ ويُجنّب عدم التدخل في أمور الآخرين الشخصية الفرد كثيراً من الإحراج، إلاّ أنه في حال تطورت المشاكل، فمن الواجب التدخل وعدم الوقوف مكتوف الأيدي، مع أخذ زمام المبادرة لتقريب وجهات النظر؛ لأن الوقوف موقف المتفرج قد يكسر العلاقة بين الآخرين، والذين كانوا ينتظرون المبادرة والوقوف بجانبهم. وينتهج البعض منهج «ليس لي علاقة بأمورك، فلا تتدخل بأموري»، ليبقى هذا السلوك غير محبب، فالعلاقات الإنسانية تُحتم التفاعل مع ما تقتضيه الحاجة، وتصنيف الأمور حسب أهميتها، ليبقى من المهم تقييم العلاقات مع الآخرين، والمبادرة بالتدخل بحدود المسموح به، وبالمقدار الذي يراه مناسبا، وبدون تكرار للمبادرة إن رأى أن هناك عدم رغبة من أحد الطرفين. لوم وعتب وقال «ناصر المحسن»: لدى الإخوة المصريين مثل يقول: «اللي يتلسع من الشُربة ينفخ بالزبادي»، وهذا ما وقعت فيه، فقد كنت حتى وقت قريب أتدخل بكل صغيرة وكبيرة تواجه أسرتي، وبعد فترة يعود اللوم علي، لأنني من اقترح الحل الفلاني، أو لأنني بادرت بالصلح، أو في أحيان كثيرة يوجه اللوم والعتب علي لأنني تحيزت لطرف دون آخر، مضيفاً أنه أصبحت في الآونة الأخيرة «أطنش» ولا أتدخل حتى لا يؤل تدخلي بشكل خاطئ، مع أن الآخرين اعتبروا ذلك قلة وفاء مني لعدم تجاوبي مع قضاياهم، وهذا بالطبع أفضل من أتهم بما لا أقصده. مقام ومقال وأوضحت «فيروز مشحم» أن كلمة «وش دخلني؟» نحتاجها بين فترة وأخرى حسب ما تقتضيه المصلحة العامة لكل الأطراف، مضيفةً أنه مثلاً عندما يكون هناك مشكلة بين الوالدين، تعرف أن تدخلها سيسبب زعل أحدهما منها، لذلك تحاول اتخاذ موقف الحياد، وكذلك مع الأصدقاء، مبينةً أن هناك مواقف لا يمكن أن تصمت، أو تقول «وش دخلني؟»، مثل قول كلمة الحق، ورد الاعتبار لصاحبه ورد الظلم عن أحدهم، هنا سنكون مثل «الشيطان الأخرس»، ذاكرةً أن لكل مقام مقالا، وعلينا تحكيم العقل قبل العاطفة، ومعرفة متى يجب التدخل ومتى يجب أن نقف موقف الحياد. فضول وتطفل ورأت «ريم الشهراني» الكثير من الناس يسمعون جملة «مالك دخل» لردع الفضوليين والطفيليين الذين يهتمون بمعرفة كل صغيرة وكبيرة في الخصوصيات دون أن يفهموا أن التدخل في ذلك يُعد من الأمور التي يرفضها الكثيرون، مضيفةً: «أنا أرفض التدخل بخصوصيات الآخرين حتى لا أحد يسمعني هذه الجملة»، مبينةً أن العديد من الأشخاص يظنون أن من حقهم معرفة خصوصيات الناس فيتطفلون في طرح الكثير من الأسئلة، خاصةً في الشؤون المادية مثل: «كم الراتب؟»، أو «كم المكافأة؟»، أو «أين يتم صرفها؟»، أو إحراج الآخرين بطرح أسئلة تتعلق بالحياة الشخصية مما يوقعهم في حرج. تدخل عقلاني وأكد «محمد العمري» -مُعلم- أن عدم التدخل بأمور الآخرين وبوجه عام هو بلاشك أمر سلبي؛ لأن الشخص يحاول الابتعاد عن المسؤولية من خلال هذه الطريقة، مضيفاً أن الإنسان العاقل هو من يكون تدخله عقلاني لتهدئة النفوس وحل المشاكل، وأن يضع لنفسه بصمة واضحة تبين مدى حرصه على الجميع، مشيراً إلى أن هناك أناسا يتدخلون لزيادة المشاكل، حيث يرمون الكلمات كالشرر فيشعلون المشكلة، وهؤلاء ابتعادهم أفضل، لافتاً إلى أن الإنسان عليه أن ينظر للأمور بمنظار إيجابي كي يصلح ما أفسدته السلبية والأنانية لدى الآخرين. سرد التفاصيل وتحدث «د. محمد كسناوي» -استشاري علم الاجتماع بجامعة أم القرى- قائلاً: إن الخصوصيات من الأمور التي يجب أن يحافظ عليها الإنسان وفقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، وهذا ما يؤكد أن في الحفاظ على خصوصياتنا أهمية كبيرة في حماية الإنسان وحياته من تدخل وفضول الآخرين، مضيفاً أن إشكالات الخصوصية أصبحت في هذا العصر كبيرة، خاصةً بعد أن دخلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى عمق العلاقات، وجعلت كثيرا من الناس يقبل بنشر خصوصياته وأدقها من طعامه وشرابه وشكل منزله وعلاقاته الاجتماعية، ما جعل من أدوات التقنية أجهزة للقضاء على الخصوصية، في ظل عدم إدراك الكثير من الناس لأهمية المحافظة على هذا الجانب الذي يحمي الإنسان من العديد من المشاكل، ذاكراً أنه ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي في التشهير بحياة البعض الشخصية دون أن يعلم أنه يضر بنفسه وبعلاقاته، وأنه يعرض حياته الاجتماعية للخطر بسرد كل هذه التفاصيل. زمام المبادرة وأوضح «د. كسناوي» أن الأشخاص أصبحوا قسمين؛ الأول: فضّل المتابعة والفرجة بصمت، والثاني: هو من يسعى لحل الأمور، مضيفاً أن عدم التدخل في أمور شخصية يجنب الفرد كثيراً من الإحراج والمشاكل، مبيناً أن كلمة «ما لي علاقة» هي الأفضل؛ لأن الشخص لن يجني من وراء التدخل بمثل هذه الأمور إلاّ التعب والمشاكل، ذاكراً أنه في حال تطورت الأمور وأصبحت تُهدد حياة أحد الأشخاص المقربين فمن الواجب التدخل وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي، مع أخذ زمام المبادرة لحل المشاكل وتقريب وجهات النظر؛ لأن الوقوف موقف المتفرج سيعقد الأمور، وقد يكسر العلاقة بينك وبين الآخرين، والذين كانو ينتظرون مبادرتك معهم، والوقوف بجانبهم. تصنيف وأهمية ووصف «د. علي زائري» - استشاري طب نفسي- التدخل في حياة الآخرين بالمرض الذي يعاني منه الكثير من الناس في محاولة تقصي أخبار غيرهم والتدخل في شؤونهم وخصوصياتهم، مضيفاً أنه يجب على الإنسان حماية حياته الخاصة، وأن يغلفها بالغموض حتي يحمي حياته وأسرته من الدخلاء والفضوليين الذين يعانون من مرض التطفل والتدخل فيما لا يعنيهم، أو محاولة المتاجرة والتشهير بهذه الخصوصيات، أو استغلالها بشكل يمكن أن يدمر الحياة الاجتماعية والأسرية، مبيناً أنه نجد الكثير ينتهج منهج «ليس لي علاقة بأمورك، فلا تتدخل بأموري»، موضحاً أن هذا السلوك ليس محببا تعميمه، فالعلاقات الإنسانية تحتم على الشخص أن يتفاعل معها بما تقتضيه الحاجة، وتصنيف الأمور حسب أهميتها هي من يفرض عليك طريقة التحكم بنفسك ومتى يمكنك التدخل من عدمها، ناصحاً كل شخص تقييم علاقاته بالآخرين، وأن يبادر بالتدخل بحدود المسموح به في أمورهم بالمقدار الذي يراه مناسبا، وبدون تكرار للمبادرة إن رأى أن هناك عدم رغبة من أحد الطرفين بذلك، مع الحفاظ على شعرة «معاوية» في علاقاتنا مع الآخرين، خاصةً ونحن نعيش في زمن قلة فيه العلاقات الإنسانية الخالية من المصالح والنقاء والصداقة الحقيقية. د. علي زائري د. محمد كسناوي العلاقات الإنسانية تتطلب التفاعل وليس التهرب من المسؤولية