روسيا تطالب بجدول زمني لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي    انطلاق أعمال منتدى الأعمال السعودي الفرنسي في الرياض    كراسنودار الروسية تتعرض لهجوم "ضخم"    رئيس وزراء تايوان: "العودة" للصين ليست خيارا للشعب التايواني    الصين تطلق المركبة الفضائية "شنتشو-22"    القبض على يمنيين لتهريبهما (12) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    الإرهابي والعلاقات السعودية الأمريكية    كأس نادي الصقور يقيم 6 أشواط للهواة    الأسواق الرقمية تستجيب لتوقعات خفض الفائدة    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    60% من قادة الأعمال بالمملكة على دراية بالتهديدات التقنية    "أخضر المناورة" وصيف آسيا    الخريف في فعاليات يوم الاستثمار والشراكات ل "اليونيدو" يؤكد ريادة المملكة الصناعية عالميًا    اقتصاد المملكة يواصل نموّه القوي    ليلة السقوط الآسيوي للاتحاد والأهلي    الجوف.. مواقع تاريخية تجذب الزوار    فيلق الإبل.. عبور الذاكرة وسرديات الهوية    117 دقيقة لأداء العمرة    زراعة أصغر منظم قلب لمولودة تزن 2 كجم    «الداخلية» تدعم الجاهزية الأمنية في «الشمالية»    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    «عدالة التحكيم وتأخر التجديد في الهلال»    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس البرلمان المجري    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    الحقيل يزور سويسرا    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    دشن ملتقى ومعرض راد 2025.. أمير الشرقية: تعزيز شراكات القطاع الخاص وتمكين مشاريع الشباب    الصين: اليابان تجاوزت «الخط الأحمر» بشأن تايوان    من السويد إلى قطاع غزة.. وثائق جديدة تكشف مسارات تبرعات «الإخوان» المشبوهة    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    إقالات داخل الجيش الإسرائيلي.. الاحتلال يجدد القصف على خان يونس    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    الجبيل الصناعية تدير النفايات ب«إنترنت الأشياء»    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    تعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للأعراض..«الغذاء»: ربط قاعدة التيقظ الدوائي بمنصة الصحة العالمية    تدشين مركز زراعة القوقعة في «سعود الطبية»    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    الأهلي يخسر أمام الشارقة في دوري أبطال اسيا للنخبة    إنقاذ فتى من رافعة شاهقة    لبنان بين ضربة الطبطبائي واستعدادات ما بعد الاغتيال    الهلال الاحمر السعودي بتبوك يرفع جاهزيته إستعداداً للحالة الجوية المتوقعة على المنطقة    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    هطول أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من يوم غدٍ الثلاثاء حتى الجمعة المقبل    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    جامعة أم القرى تحقق مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    حين يكون العطاء لغة وطن    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    الناهشون في جسد النجاح!!    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة الحقائق في الحياة
نشر في الرياض يوم 11 - 04 - 2013

يحمل الإنسان -في أي ثقافة كانت- حقيقة شخصية خاصة بطبيعة حياته ورؤيته للعالم، ويبرز ذلك من خلال نمط الشخصية والمستوى العقلي وكذلك تأثير التربية والتعليم ومستوى التدين. هذه الحقيقة ليس شرطاً أن تتوافق مع الحقيقة المجتمعية التي يمكن تلخيصها بالأمور التي تتفق حولها مجموعة من البشر وتشكل منظومة أخلاقية عامة متعارف عليها.
ولكي تكون الفكرة واضحة في شرح الفرق بين طبيعة "الحقيقة الشخصية" و"الحقيقة المجتمعية" يمكن عرض مثال حول تقدير الناس للجمال، وهو تقدير يختلف من شخص إلى آخر على أساس أن معيار الجمال وطبيعته يعتمدان بشكل كبير على عناصر خاصة بذوق الإنسان وإحساسه؛ والشيء ذاته يمكن أن نقوله حول السمة الأخلاقية التي يضعها البعض على قمة هرم الأخلاق مثل الإخلاص والتعاطف والعدالة. ومهما اختلفت تقديرات الناس للجمال وتنوعت معاييرهم في فهم السمات الأخلاقية، فإن النقاش لن يُجدي كثيراً إذا دار حول وصف تلك الآراء في نطاق "الصح" أو "الخطأ" لأنها تظل حقائق شخصية تتناسب مع الأشخاص التي يمتلكونها في أنها تُعبر عن شخصياتهم وتطلعنا على تجاربهم وتكشف لنا رؤيتهم للعالم.
أما الحقائق المجتمعية فهي التي تتأثر بشكل أكبر بعنصر الثقافة وتعكس تاريخ المجموعة وعاداتها وقيمها، على أن هذه المكونات تملك الأفكار والحقائق المقصودة. وهنا يمكن الحديث عن ثقافة منطقة أو قبيلة أو جماعة أو فئة في المجتمع يتشارك فيها الناس بعناصر ثقافية وتاريخية تفسر شعورهم بالانتماء والتآلف مع مجموعتهم.
أما الحقيقة الأخرى وهي الشخصية فهي من ضمن الحقائق الإنسانية التي يشترك فيها جنس البشر بشكل عام مثل أفكارهم عن نوعهم البشري مقارنة ببقية الكائنات، أو أفكار جنس تجاه الجنس الآخر من النواحي الفيزيائية وليست الثقافية. وأخيراً هناك الحقائق الكونية أو العالمية وهي تلك الأفكار التي يتفق عليها كل فرد عاقل متعلم؛ وهي على الأغلب الحقائق العلمية التي لا تتغير غالباً مثل قوانين الرياضيات من أمور لها علاقة بقياس المحيط والمساحة والزوايا وكذلك القوانين الفيزيائية والكيميائية وغيرها من الحقائق التي لا علاقة لها بوجهة نظر شخص ما أو ثقافته أو ميوله.
وعند النظر في نوعيّة هذه الحقائق في الحياة نجد أننا نتّفق مع بعض الثقافات الأخرى في مواضع ونختلف معها في مواضع أخرى. وعلى ذلك قد نفهم أين وكيف يمكن للبعض أن تختلط عليه بعض الأمور فتتداخل الحقائق الشخصية -التي ليس بالضرورة أن يتفق الناس معه فيها- مع الحقائق المجتمعية التي يصحّ أن يتفق معه مجموعة وتختلف أخرى. والملاحظ أن الحديث عن الحقائق الإنسانية والعالمية يكاد يكون حديثاً محايداً ويترتب عليه أن إقناع الناس بهذه الحقائق أيسر لأن المرء يتجرد من آرائه الشخصية وثقافته الخاصة وخلفيته المذهبية والدينية التي لا يتفق فيها معه كل البشر حول العالم.
إن هذا التنوع يُفزر اختلافاً ثقافياً ومعرفياً مفيداً لجنس البشر؛ فلو كانت كل مستويات الحقيقة هي ذاتها لكل إنسان حول العالم لما استفدنا من تواصلنا مع ثقافات خلق الله وأديانهم ولا شعرنا بحاجتنا لترك القرية القديمة بحثاً عن فرص حياة أفضل ولا بحثنا عن مستوى تعليمي واقتصادي أفضل ولا شعرنا بحاجة كبيرة للبحث عن حلول لكثير من مشكلاتنا لأننا -ببساطة- سنراها جزءاً أساسياً من حياة رتيبة لا تعرض الاحتمالات ولا تحوي أي طريق يخلق مجالات متنوعة للنجاح.
والجدير ذكره أنه من غير المنطقي أن نضع حقيقة شخصية "أعلى" من غيرها لكون صاحبها ينتمي إلى طبقة اجتماعية أعلى وذلك لأن الحقائق الفردية -رغم أنها نتاج طبيعة حياة الإنسان- لا تحوي قيمة تُقاس بحدّ ذاتها بل هي مكونات مجرّدة تحمل أهميّة لدى صاحبها الذي يمكنه وحده أن يضع معيارا لقياسها وفق مايراه حقيقيا في حياته. على أن عدم فهم ذلك يُولد الكثير من المشكلات الاجتماعية كما يحصل حينما يحاول الأهل أو الأصدقاء أو القبيلة أو أفراد الجماعة القيام بالتدخل في إعادة ترتيب أولويات الإنسان النفسية والأخلاقية من منطلق أنهم لا يرون تلك الأمور التي يقدرها تستحق الاهتمام ويحاولون التأثير على نظرته الشخصية للعالم ودفعه للاقتناع بأمور معينة تُشابه المجموعة. وهذه الطريقة تؤدي إلى إذابة الشخصية الفردية وتنحية الحقيقة الخاصة بالإنسان لكي تدخل في المجموعة، وهو منهج يستخدم في ترويض الأفراد لكي يندمجوا في ثقافة المجموعة.
ومن سلبيات محو الشخصية الفردية فقدان المجتمع لطاقة بشرية لها ميزتها الخاصة كان من الممكن أن تعرض ألواناً أخرى وتقدّم منهجاً جديداً في الحياة يختلف عن بقية الأفراد المتشابهين. ومن المعتدّ به اليوم في الحضارات الحديثة والمتطورة أن الاختلاف الفردي مصدر غني لمزيد من الثراء المعرفي والثقافي. والواقع أن ممارسة العنف ضد ثقافة الفرد يمكن أن تكون ضد مجموعة أو مجتمع ما بحيث لا ترى المجتمعات الأخرى "صلاحية" ثقافة ما لكي تكون حاضرة على الخارطة الإنسانية وتحاول دمج معتقداتها وإعادة تشكيلها بطريقة أخرى لكي تتوافق مع غيرها. وهذا بطبيعة الحال أمر لا يمكن أن يكون إنسانياً لأنه إجحاف في حقّ مجموعة من البشر لها كيانها وخبراتها وأحقيتها في التواجد الثقافي.
ومع أن المجتمعات المتحضرة لا تمارس الوصاية الأخلاقية فإنها في الواقع تُنظم آلية واضحة لتفعيل معطيات مجموعاتها الثقافية وحفظ حقوق أفرادها لكي تحافظ على ثراء ثقافتها التي لا يمكن أن تدوم إن لم ترتكز على عناصر أخلاقية راسخة. وهذا كله لا يمكن أن يكون مفيداً ولا واقعاً إن لم يحترم الإنسان ذاته في الأساس ويترفع عن الاعتداء النفسي والأخلاقي والمادي على غيره، ويغير رؤيته القائمة على أنه أحق من غيره في هذه الحياة إلى الإيمان بأنه شريك لغيره في هذه الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.