كانت أمسية بعبق كادي ذي عين، وأريج ورد الباحة، وطعم لوز جافان، شارك في إحيائها نخبة من الأدباء والمثقفين للحديث عن مآثر الراحل سعد الثوعي الشاعر والصحفي والإنسان، تقاسم فرسان الأمسية الحديث عن حياته ونتاجه الثر حيث قدم الأمسية الشاعر محمد فرج، ليترك إدارتها للشاعر الأستاذ علي يحيى الزهراني الذي استخدم مفردات شعرية باذخة، ليسمح للشاعرة خديجة السيد في إعطاء ملمح عن سيرته الذاتية ومزاياه الشعرية والأدبية وتألقه الصحفي، بمصاحبة عرض مصور لأبرز المحطات في حياة الثوعي، فيما سلط البروفيسور سعيد فالح الغامدي على الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية، لتذرف دموعه حين تذكّر موقفا حزينا للراحل، فيما ألمح الدكتور محمد السيد عن علاقاته الإنسانية والأدبية والإعلامية مع المحيطين به وتأثرهم به وإعجابهم بقيادته لمكتب صحيفة عكاظ قبل ثلاثين عاماً، ليفند الأستاذ محمد ربيع مواقف أدبية واجتماعية للراحل أسماها عتبات، اتفق المشاركون على تفرد الثوعي بنهجه الشعري وانحيازه الإنساني وتوظيفه الهم الاجتماعي شعراً ونثراً وقدرته على كسر سلطوية الصحافة بأسلوبه السهل الممتنع التي تشابه حد الموسى رهافة لتكون الكتابة عنده فعلا جماليا، إلى جانب تمتعه بأسلوب الطرفة، وكان الراحل- الذي توفي عن عمر خمسين سنة – قد أثرى المكتبة بعدة دواوين منها هلا هيلة، ومسيكينة، ومرافعات ضد العشق، ورعوش، ولوزيات التي تغنى الفنان الراحل طلال مداح بواحدة من قصائده الأنيقة، فضلا عن «ورقاته الشعبية» التي كانت تنشر أسبوعيا في صحيفة الجزيرة وانتقلت لصحيفة عكاظ ليتغير مسماها في صحيفة البلاد إلى «إيقاعات شعبية» وتميزت بالتنوع بين القصيدة والقصة والحكاية والمقالة، والخاطرة، جاءت بلغة ساحرة مبهرة، ومعان عميقة، وطرح جريء حاملا على عاتقه كشف عورة الفساد متحملا تبعاتها من المضايقات، في وقت كانت تعج الصحافة بالمجاملة للمسؤولين والتودد منهم لينتهج الثوعي أسلوبا خاصاً، ويحلق في مسار مختلف، مما استحق الشكر والإعجاب حتى من الذين تعرضت إداراتهم للنقد، لكونه صاحب مبادئ واضحة ولتلمسه هموم وأوجاع الناس، مما ذاع صيته وتداول كثيرون آنذاك صفحته ويصفونه بالابن الأصيل لقريته، الحضاري في فكره، الوفي لوطنه، أما قصائده الندية فكانت تهطل كالمطر وتورق كالثمر وتزهر كاللوز وتتماهى كالسحاب.. يا ظفاير شعرها طيحي على صدر القمر أجرحي صدر القمر أرقدي فوق النجوم الخضر ضيعي بين حبات المطر واستريحي فوق أوراق الشجر فجل قصائده كانت ممتلئة بالمطر والشجر والقمر والورق والأرق والجروح والدموع والحب واللوعة وحكايات أهل الديرة ينسجها بخيوط الإبداع فتغدو بخصوبة وادي قوب وشموخ جبل بهول، وبهاء غابة رغدان، تخرّج من مدرسته كثير من الصحفيين والإعلاميين، بعضهم شق طريقه ليصبح من قادة العمل الصحفي ومنهم الأستاذ قينان الغامدي رفيق دربه، الذي يدين للثوعي بالفضل في تنمية حسه الصحفي ودفعه إلى الإبحار في عالم الصحافة، والدكتور محمد قارئ والأستاذ صالح مطر وغيرهم، ويمكن القول بأن نتاج سعد الثوعي الأدبي والشعري والصحفي والإنساني، شكّل وعيا متقدما للكثيرين في الطائفوالباحة حيث إن صفحات ورقات شعبية يتداولها طلاب المدارس مثل كتب النصوص والمطالعة بل يأخذهم الإعجاب في ابن القرية الذي شق طريقه بنجاح ليكون صوتا وطنياً صادقا وجريئا ومخلصا، يقول الثوعي: عمري أنا مثل الشجر يعيش لا طاح المطر وها هو يبقى أخضر في ذاكرة محبيه شامخا كجبل شدا بهيا كالمطر زاهيا كشجرة اللوز وهذا التكريم النبيل الذي ابتدره أدبي الباحة ينم عن حرص وحس جمالي من رئيس النادي الشاعر حسن الزهراني وأعضاء مجلس الإدارة لتكريم رموز الأدب والثقافة الأحياء والراحلين وهنا نتوقف لنقول مثل ما قالت ابنته ندى سعد الثوعي في ذات الأمسية بقي ويبقى والدي سعد في ذاكرة الأجيال الجديدة بإنسانيته وأدبه.