لا يختلف اثنان على أن مجتمعاتنا اليوم تختلف كثيراً عن مجتمعات الأمس، فهي تمارس عادات مختلفة وتحمل هموماً مختلفة وتواجه تحديات مختلفة أيضاً. وبطبيعة الحال فقد تركت تلك التغييرات أثرها، فهي إما حلّت بعض مشكلات الأمس وإما خلقت بدلها مشكلات جديدة. وقد تكون إحدى أهم تلك المشكلات الاجتماعية الجديدة هي ارتفاع نسبة الطلاق التصاعدية والسريعة جداً في السنوات العشر الأخيرة وهي من الخطورة حتى أصبحت تُعد ظاهرة في المجتمعات العربية عموماً وفي المجتمع السعودي تحديداً الأمر الذي استرعى اهتمام علماء الاجتماع والأختصاصيين الأسريين والنفسيين وحتى القضاة ورجال الدين، الجميع يبحث عن الأسباب ويحاول إيجاد الحلول. بالطبع لكل حكاية حيثياتها ولكل بيت أسراره لكنني أزعم أن هناك عاملاً مشتركاً وراء كثير من مشكلات الأسر التي لا تزال تتعلق بقشة أو تلك التي غرقت. أيها السيدات والسادة فتشوا عن المرأة! إن نظرة واحدة لمجتمع اليوم كافية لندرك كم تطورت المرأة علمياً وفكرياً ومادياً وثقافياً. السيدات الآن يتقدمن بأعوام ضوئية عن سيدات الأمس، وقد يجوز أن نصف ما نراه بالطفرة. بالطبع هذا لا يعني بأنها قد سبقت الرجل وتركته في المؤخرة، إنه فقط يخبرنا بأنهما أصبحا يقفان متقاربان متماثلان وعلى عتبةٍ واحدة وهنا مربط الفرس، فرغم كل ماذكرت لا يزال الرجل الشرقي المتعلم المثقف الواعي يتخذ من علاقة والديه أنموذجاً ويحاول إسقاط طبيعة العلاقة الفوقية أو ما يعرف بظاهرة (سي سيد) على علاقته بزوجته التي من المفترض أن تتحلى بالندية والمساواة نتيجة طبيعية لتساوي الطرفين. فرغم انتفاعه الكبير من الأدوار الجديدة التي أصبحت تلعبها الزوجة وحملها كثيراً من أعباء الأسرة عن كاهله يصر في حالات غير مبررة أن تحتفظ بأدوارها القديمة دون الحصول على المساعدة منه أومن غيره. مثالاً على ماذكرت يرفض بعض الأزواج الاستعانة بالعاملة المنزلية رغم أن الزوجة تعمل في القطاع الصحي مثلاً وقد تمتد ساعات عملها إلى اثنتي عشرة ساعة متواصلة أناء الليل أوأطراف النهار وتكون حجته الوحيدة أن أمه التي لم تكن تغادر منزلها إلا لشرب شاي الضحى مع الجارات لم تستعن قط بأحد ! أوأن يأتي آخر فيطالب زوجته بإنجاب ثمانية أطفال كي يثبت فحولته أمام العشيرة ناسياً تماماً أن عملها يتطلب الوقوف لمدة تسع ساعات خلف صناديق المحاسبة وأنها مهددة بالإصابة بالدوالي بشكل دائم بعد أن اختبرت بعض الأعراض في حملها الأخير. أوأن يصر أحدهم أنه صاحب القرار الأول والأخير في الأسرة (كما كان والده طبعاً) مهمشاً تماماً رأي زوجته التي قد تكون اختبرت الحياة وعالجتها وتغلبت على كثير من صعابها أكثر بكثير مما فعل هو! بالطبع ولله الحمد ماذكرت أعلاه لا يمثل الجميع، وإنما ينطبق على شريحة ضيقة لا تزال تتمسك بقوالب بالية هرئة لا تتماشى أبداً ونموذج الأسرة المعاصرة. قارئي العزيز، إن كنت يوماً على وشك أن تستشيط غضباً لأن المائدة لا تحمل خمسة أصناف من الأطعمة الشهية فتذكر أن زوجتك لم تقض النهار متكئة على لوح تقطيع البصل بل كانت مشغولة جداً بمراجعة بيانات العملاء. إن كنت تظن لوهلة أن حاملات شهادات الماجستير والدكتوراة ورئيسات الأقسام وسيدات الأعمال والمحاضرات وذوات الدخل المرتفع سيتحملن سلاطتك وأخطاءك وتقصيرك وسيصبرن تماماً كما صبرت أمهاتهن اللواتي لا حول لهن ولا قوة مستنداً للمقولة الشهيرة (ظل راجل ولا ظل حيطة) فأنت مخطئ تماماً، فبإمكانها اليوم أن تستظل برصيدها في البنك، بلوحة معدنية صقيلة تحمل اسمها تزين باب مكتبها، بعدد كبير من الصديقات القويات جداً اللواتي سيساندنها دون تردد. إن كنت تريد أن تحافظ على علاقتك الزوجية وعلى أسرتك فعليك أن تحدّث قناعاتك وأساليبك فعجلة الزمن لا يمكن أن تعود إلى الخلف ولا يمكنك أبداً أن تنجح إن طبقت قوانين لعبة قديمة على الإصدار الجديد كلياً. بالطبع إن كل ماذكرت أعلاه ليس السبب الوحيد المسؤول عن كل حالات الطلاق في المجتمع، ولست أوجِّه التهمة لطرف دون الآخر، وإنما أردت تسليط الضوء على هذا السبب تحديداً لأنه حديث ووليد هذا العصر. مع تمنياتي لكم بحياة زوجية سعيدة ومديدة.