في المنتدى السعودي الثاني للصناعات التحويلية الذي نظمته الهيئة الملكية للجبيل وينبع يوم الثلاثاء 6 مارس 2012م الموافق 13ربيع الآخر 1433ه تحدث معالي وزير البترول والثروة المعدنية علي النعيمي عن الاقتصاد السعودي والتحديات التي يواجهها. صحيحٌ إنه وزير للبترول لكن البترول هو الاقتصاد السعودي، فعلى البترول تعتمد إيرادات الدولة وميزانيتها بشكلٍ كامل، وعلى ميزانية الدولة وإنفاقها يعتمد الاقتصاد السعودي. الوزير النعيمي جزءٌ من أعمال وزارته مرتبط بسوق البترول العالمي، حاله وتقلباته، من حيث الأسعار والعرض والطلب، إلى غير ذلك من الأمور المتعلقة بالصفقات والعقود البترولية التجارية منها والسياسية. لكن الوزير النعيمي يبقى أولاً وقبل كل شيء وزيراً للبترول السعودي الّذي هو ملك لهذا الجيل والأجيال القادمة وهو هنا وقبل كل شيء مسؤول عن إدارة عملية استغلال هذا المورد الحيوي بأعلى كفاءة وإنتاجية تحقق المصلحة العامة الوطنية. وبهذه المناسبة يقفز سؤال معترض خارج سياق المقال له علاقة بما يردده الوزير في المحافل الدولية عن التزام المملكة بتزويد السوق العالمي بحاجته من البترول كلما تعرض السوق لأي عارض أفقده شيئاً من الإمدادات النفطية من الدول المصدرة الأخرى. السؤال هنا: هل هذا الكرم الحاتمي في استخراج البترول السعودي من مكامنه الجيولوجية بكمياتٍ كبيرة لسد حاجة الأسواق العالمية، دافعه اقتصادي أم سياسي؟ أي: هل تزويد السوق العالمي بالنفط كلما نقص الإمداد العالمي هدفه خفض الأسعار أو كبح جماحها من الصعود الشاهق لأن ذلك يصب في مصلحتنا الاقتصادية مستقبلاً، أم إن الأمر غير ذلك هدفه مصالح وعلاقات سياسية بثمن اقتصادي؟ العلم اليقين لا شك هو عند وزير البترول الذي نرجوه أن يفهمنا كنه سياسة المملكة البترولية ذات الكرم الحاتمي. أعود إلى حديث معاليه عن الاقتصاد السعودي وما يواجه هذا الاقتصاد من تحديات. لقد كان حديثاً ينمّ عن معرفةٍ جيدةٍ بمكامن الخلل في الاقتصاد السعودي. وعندما يلمّ الرجل بطرفي المعادلة للاقتصاد السعودي، البترول من جهة والتنمية الاقتصادية المحلية من جهةٍ أخرى، فلا شك أنه خير من يتحدث عن الاقتصاد السعودي. وضع وزير البترول يده على الجرح كما يقال وحدد ثلاث نقاط مهمة يعاني منها الاقتصاد السعودي، حيث يقول «إن المملكة ليست في منأى عن المنافسة العالمية كما أنها تواجه تحديات محلية من الممكن التغلب عليها وتحويلها إلى فرص إذا تمّ التعامل معها مبكراً ولعلّ من أهم التحديات الداخلية ما يلي: أولا: الاعتماد المستمر على النفط في إيرادات الدولة وفي مكوّنات الاقتصاد الوطني ككل. والنفط كما هو معروف عرضة للتقلبات من حيث معدلات الأسعار ومعدلات الإنتاج». ويقول معاليه بعد أن ذكر أمثلة على تقلبات الأسعار والإنتاج الحادة «وبسبب هذه التقلبات الّتي يصعب التنبؤ بها، فإنه من غير المناسب الاعتماد على النفط إنتاجا وتصديراً». فقط أريد أن أضيف إلى ما قاله معاليه من سوء الاعتماد على الإيراد البترولي كمصدر أساسي للدخل والإنفاق الحكومي بسبب عدم الاستقرار في الأسعار وحجم الإنتاج، أن هنالك خطراً أهم في الأمد الطويل ألا وهو انقضاء عمر البترول إما جيولوجياً أو اقتصادياً، فالبترول لا محالة زائل يوماً ما عن الوجود، إما بسبب انتهاء كمياته الممكن إخراجها من باطن الأرض أو بسبب فناء قيمته السوقية. وهذا يرفع حال الاقتصاد السعودي المعتمد على البترول من «غير مناسب» كما حدده وزير البترول إلى «خطير» على الأمد البعيد، كما اعتقده بناءً على قراءتي لواقع المكونات الأساسية لهيكل الاقتصاد السعودي وحركته. إن خطط التنمية الاقتصادية الخمسية التي بدأت أولاها عام 1970م لم تفلح بعد ثماني خطط، أي بعد أربعين عاماً في تنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي ليحظى بشيء من الاستقلال عن البترول الذي تعتمد عليه الإيرادات الحكومية بنسبة 90% في ميزانية العام المالي الحالي 2012م. ثانياً: يقول معاليه إن التحدي الثاني الّذي تواجهه المملكة يتمثل في الزيادة المستمرة في عدد السكان مع ارتفاع مستوى طموحاتهم وتطلعاتهم نحو حياة كريمة ومستقرة لهم ولأولادهم. ففي النصف الأول من السبعينيات الميلادية كان عدد سكان المملكة من الموطنين حوالي ستة ملايين نسمة أما الآن ففي حدود عشرين مليون نسمة، ومن التوقع أن يصل إلى أكثر من ثلاثين مليون نسمة في أقل من عشرين عاماً، وهذا يتطلب توسع الكثير من الخدمات في مجال التعليم والطب والإسكان. ويشير وزير البترول إلى نقطةٍ مهمة جداً بخصوص تنمية وتطوير رأس المال البشري، تتعلق بالجانب النوعي في عملية التعليم والتدريب المرتبط بشكلٍ مباشر بإنتاجية الفرد وقدرته على احتلال الوظائف ذات الإنتاجية العالية والمردود المالي المرتفع. لا يوجد لدي ما أضيفه إلى ما قاله معاليه إلا القول إنه رغم الأموال الطائلة التي خصصت للتعليم بجميع مراحله إلا أن جل ما حدث يتعلق بالزيادة الكمية في أعداد الخريجين، أما الجانب النوعي فلا يزال قاصراً عن الحد المطلوب الذي يؤدي إلى رفع مستوى إنتاجية الفرد ويؤهله لإدارة عملية التنمية الصناعية ذات التقنية العالية. هناك خطوات على هذا الطريق لكنها بطيئة جداً ولا تتماهى مع حاجة الاقتصاد الوطني إلى رأس المال البشري الوطني المزود بأفضل العلوم التقنية والفنية والقادر على احتلال المواقع القيادية الفنية وليس الإدارية فقط في القطاعات الاقتصادية المختلفة. ثالثاً: التحدي الثالث الّذي تواجهه المملكة يتمثل في كيفية التوسع في الصناعات والأنشطة الثانوية والقيمة المضافة. فالمملكة تنتج الكثير من المواد الأساسية مثل النفط والغاز والبتر وكيماويات والمعادن، إلا أنه لم يصاحب ذلك زيادة مناسبة في المنتجات الثانوية والنهائية المرتبطة بها. وفي الغالب فإن ما يحصل هو تصدير المواد الخام أو المواد نصف المصنعة إلى الخارج والّتي تجري إعادة تصديرها مواد نهائية إلى المملكة أو المنطقة بشكلٍ عامٍ وهذا يحرم الوطن والمواطن والاقتصاد الوطني جميعاً من فرص استثمارية هامة. إن عملية القيمة المضافة التي أشار إليها معاليه المتمثلة في زيادة مراحل عملية تصنيع المواد الخام للوصول بها إلى منتجات نهائية حاملة لقيمة مضافة كبيرة هو أمر استراتيجي وهام في بناء القاعدة الصناعية المحلية. لكن عملية التصنيع للوصول للمنتجات النهائية إن صحت في دول أخرى، قد لا تصح عندنا. لذا فالأمر يتطلب دراسة دقيقة مبنية على معلومات وفرضيات وتنبؤات اقتصادية جيّدة وعلى سيناريوهات مختلفة حتّى يتم الوصول إلى درجة عالية من الثقة بأن هناك قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني يمكن تحقيقها من زيادة مراحل عملية التصنيع حتّى المنتجات النهائية، بدلاً من التوقف عند المواد الخام. السؤال الجوهري في هذا المجال: هل القيمة المضافة للاقتصاد الوطني من بيع الغاز والبترول بأسعار مخفضةٍ جداً عن الأسعار العالمية تعادل أو تربو على ما تفقده خزينة الدولة من بيع الغاز والبترول إلى الصناعة المحلية بالأسعار المخفضة إضافة إلى ما تتحمله خزينة الدولة من دعم مالي لهذه الصناعة البتروكيماوية وغيرها من الصناعات المعتمدة بشكل رئيسي على الغاز والبترول؟ إذا كانت الإجابة على السؤال بنعم، فسياسة تصنيع المواد الخام من البترول والغاز وتحويلها إلى منتجات نصف نهائية أو نهائية هي السياسة الصناعية السليمة والمفيدة اقتصادياً على الأمد الطويل. أما إذا كانت الإجابة بلا، فلابد إذن من إعادة النظر في مشروعات التوسع في الصناعات البتروكيماوية ومشتقاتها، والنظر في إعادة هيكلة القاعدة الصناعية لكي لا يكون اعتمادها كلياً على المواد الخام من الغاز والبترول ومشتقاته.