لم تسجِّل الهدنة الروسية الجديدة في حلب خروج مدنيين أو مقاتلين، بحسب ما أفادت وكالة «فرانس برس»، فيما تحدثت الأممالمتحدة عن غياب ضمانات لإرسال مساعدات. وأفادت «فرانس برس»، عصر أمس، بأن أكثر من 7 ساعات مرَّت على بدء الهدنة الروسية، المعلنة من جانبٍ واحد والمحدَّدة ب 10 ساعات، دون تسجيل خروج جرحى أو مقاتلين أو مدنيين من الأحياء الشرقية المُحاصَرة في المدينة. وحلب، التي تعدُّ مركز محافظةٍ في شمال سوريا تحمل الاسم نفسه، مقسَّمة منذ 2012 بين شطر شرقي مع المعارضة وغربي تحت سيطرة نظام بشار الأسد. وأعلنت موسكو أن الهدنة الجديدة تهدف، كما تلك التي سبقتها في أكتوبر الفائت، إلى «إجلاء الجرحى والمرضى ومقاتلين ومن يرغب من مدنيين من الأحياء الشرقية عبر 8 معابر». وخُصِّصَ معبران أساسيان هما الكاستيلو (شمال) والخير- المشارقة (وسط) لخروج المقاتلين والراغبين من المدنيين. ودخلت الهدنة حيز التنفيذ عند الساعة ال 9 من صباح الجمعة بالتوقيت المحلي (السابعة بتوقيت غرينتش). وأوضح مراسلان ل «فرانس برس» من جانبي معبر الخير- المشارقة أن أحداً لم يخرج من الجهة الشرقية بعد 6 ساعات على بدء وقف إطلاق النار. وأظهرت صورةٌ التقطها مراسل «فرانس برس» في الجهة الشرقية من المعبر منطقةً خاليةً تماماً سوى من الدمار والأعشاب اليابسة. في الوقت نفسه؛ أظهر شريط فيديو، بثَّه الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الروسية من معبر الكاستيلو، عدداً من سيارات الإسعاف تنتظر عند حاجزٍ لجيش النظام حيث وُضِعَت صورة للأسد، دون تسجيل خروج أي شخص. وقال الجيش الروسي، في بيانٍ له، إن اثنين من جنوده أصيبا جرَّاء قذائف سقطت عند أحد المعابر الثمانية. وأفاد البيان بنقل الجنديين سريعاً إلى حي آمن في المدينة حيث تلقيَّا العلاج، مؤكداً: «حياتهما ليست في خطر». وكانت هدنةٌ بمبادرةٍ روسيةٍ أيضاً استمرت 3 أيامٍ في المدينة وانتهت في ال 22 من أكتوبر، لكنها فشلت في إجلاء جرحى ومقاتلين ومدنيين، نتيجة توترات أمنية ومخاوف لدى السكان والمقاتلين الذين عبَّروا عن انعدام الثقة في النظام. وتحاصر قوات الأسد منذ نحو 3 أشهر أحياء حلب الشرقية حيث يقيم أكثر من 250 ألف شخص وسط نقص فادح في المواد الغذائية والطبية. في المقابل؛ تكرِّر فصائل معارِضة مسلحة رفض المبادرات الروسية. ولفت ياسر اليوسف، وهو عضو المكتب السياسي في حركة «نور الدين زنكي»، إلى غياب الثقة، قائلاً: «لسنا معنيين بها ولا نثق بالروس ولا بمبادراتهم». وكان الجيش الروسي علَّق في ال 18 من أكتوبر، أي قبل يومين من الهدنة السابقة، غاراته على الأحياء الشرقية، ويقتصر قصف طائراته منذ ذلك الحين على مناطق الاشتباكات في غرب المدينة. وكانت غارات سورية وروسية مكثفة حصدت على مدى أسابيع مئات القتلى في الأحياء الشرقية وأثارت تنديداً دولياً. بينما تدور اشتباكاتٌ، منذ ال 28 من أكتوبر، عند أطراف الأحياء الغربية، إثر هجومٍ شنَّته الفصائل بينها مجموعات إسلامية مثل «أحرار الشام». وصعَّدت الفصائل الهجوم الخميس في سياق ما سَّمته «المرحلة الثانية» من «ملحمة حلب الكبرى» المستهدِفة فك الحصار. لكن مراسل ل «فرانس برس» تحدث عن هدوءٍ بدأ ليل الخميس واستمر حتى صباح الجمعة. وسُجِّلَت صباحاً بعض الغارات على منطقة ضاحية الأسد التي كانت الفصائل تقدمت إليها. والمشاركون في الهجوم يسعون إلى التقدم نحو حي الحمدانية المحاذي للأحياء الشرقية، ما سيمكِّنهم من فتح طريق إلى مناطق المعارضة في ريف حلب الغربي وكسر الحصار عن الشطر الشرقي. ويقع حي الحمدانية بين ضاحية الأسد غرباً وحي العامرية شرقاً الذي تسيطر الفصائل على أجزاء منه. في سياقٍ متصل؛ أعلن المتحدث باسم الأممالمتحدة، ينس لاريكه، أنه ليس بوسع المنظمة الدولية أن تستغل أحدث هدنةٍ في حلب لإرسال مساعداتٍ إلى المناطق الشرقية المحاصرة «إذ أنه ليس لديها الضمانات الأمنية الضرورية». بالتزامن؛ شددت جيسي شاهين، وهي المتحدثة باسم المبعوث الأممي الخاص بالأزمة ستافان دي ميستورا، على رفض إجلاء المدنيين ما لم يكن طوعاً. وذكر متحدثٌ أممي آخر هو ديفيد سوانسون أن المنظمة الدولية «لن تكون معنيَّةً بأي شكلٍ بإجلاء مدنيين من شرق حلب». واعتبر سوانسون، وهو الناطق باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن «عمليات إجلاء المرضى لا يمكن أن تحصل إلا إذا اتخذت الأطراف المعنية بالنزاع كافة الإجراءات اللازمة لتأمين بيئة مناسبة، وهذا ما لم يحصل». ورأت منظمة العفو الدولية، بدورها، أن «الهدنة الإنسانية المؤقتة التي أعلنت عنها روسيا ليست بديلاً عن (وجوب) إيصال المساعدات دون قيود وبطريقة منصفة»، مُشدِّدةً: «يجب أن يُسمَح للمدنيين الراغبين بالمغادرة دون قيود من قِبَل كافة أطراف النزاع». في ذات الإطار؛ رأى وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، أن وقف إطلاق النار لمدة 10 ساعات لا يكفي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين. وجاء في بيانٍ له بعد لقائه المعارض السوري البارز رياض حجاب أمس في برلين: «أعلنت موسكو مرة أخرى عن وقف لإطلاق النار لمدة 10 ساعات يوم الجمعة، وكما أسلفنا في الماضي نقول إن هذه المدة غير كافية إطلاقاً» سواءً لإيصال مساعدات أو إجلاء المصابين بجروح خطيرة. وأشار الوزير الألماني إلى إسهام وقف القصف على مناطق شمال محافظة حلب في تخفيف معاناة السكان. لكنه استدرك: «أطراف المدينة ومناطق أخرى من البلاد لاتزال تتعرض للقصف». وأوضح: «ترِدُنا أنباءٌ عن السلوك الوحشي للأسد وحلفائه في المنطقة من قصفٍ للمدارس وقتلٍ للأطفال وهجماتٍ تستهدف المستشفيات واستخدامٍ للأسلحة الكيماوية». ونبَّه بيان شتاينماير إلى ضرورة التحرك المشترك ل «المعارضة السورية المعتدلة»، مثنياً على «جهود حجاب التي يبذلها في سبيل توحيد المعارضة المعتدلة». ويشغل حجاب منصب المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات المعبِّرة عن المعارضة. في غضون ذلك؛ أبلغت شبكة «شام» الإخبارية عن «وقوع مجزرة مروِّعة في صفوف أهالي» بلدة كفرناها في الريف الغربي لحلب. وأرجعت الشبكة المناهضة للأسد ذلك إلى «شن طائرات حربية روسية غاراتٍ بالصواريخ المظلية شديدة الانفجار على أحياء البلدة»، ما أوقع قتلى بينهم نساء وأطفال. ورفعت فرق إنقاذ مدنية الأنقاض ونقلت القتلى والمصابين إلى مستشفيات ميدانية. وقدَّرت «شام» عدد القتلى ب 13 مدنياً على الأقل مع عشرات الجرحى من النساء والأطفال. وتحدثت الشبكة نفسها عن شنِّ غارة روسية في توقيت متزامن تقريباً وبالصواريخ المظلية على مدينة الأتارب، ما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة عديد من المدنيين بينهم طفل بُترَت قدمه، بينما «استهدفت غارات مماثلة مستودعاً للإغاثة في بلدة أورم الكبرى يحوي مواد غذائية وطبية ما أدى إلى إتلافها بشكل كامل». وتقع الأتارب وأورم الكبرى في غرب محافظة حلب. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، من جانبه، سقوط قتلى في كفرناها، لكنه قدَّر عددهم ب 10، لافتاً إلى إصابة آخرين بجروح. ولم يحدد المرصد هوية الطائرات التي نفذت الغارات التي قال إنها طاولت الأتارب وميزناز في الريفين الغربي والجنوبي الغربي للمحافظة، في حين قُتِلَت طفلة وأصيبت امرأة بجروح في ريف حلب الشمالي الشرقي إثر انفجار لغم زرعه تنظيم «داعش» الإرهابي.