شهدت مدينة حلب في شمال سورية هدنة إنسانية جديدة من عشر ساعات أعلنتها روسيا من طرف واحد، من دون أن يُسجّل خروج أي جرحى أو مقاتلين ومدنيين من الأحياء الشرقية المحاصرة. وفي حين أعلنت موسكو إن اثنين من جنودها أصيبا بجروح عند معبر الكاستيلو في شمال حلب، قال الناطق باسم الأممالمتحدة ينس لاريكه إن المنظمة الدولية ليس بوسعها أن تستغل الهدنة الروسية لإرسال مساعدات إلى أحياء شرق حلب إذ إنه ليست لديها «الضمانات الأمنية» الضرورية. كما قالت جيسي شاهين المتحدثة باسم مبعوث الأممالمتحدة لسورية ستيفان دي ميستورا إن المنظمة ضد إجلاء المدنيين ما لم يكن ذلك طوعاً. وبعد حوالى ست ساعات على بدء الهدنة في حلب، استهدفت الفصائل المعارضة أحد المعابر المخصصة لإجلاء الراغبين في مغادرة هذه الأحياء الواقعة تحت سيطرتها، وفق ما أفاد الإعلام السوري الرسمي. وتهدف الهدنة الروسية، كما تلك التي سبقتها في تشرين الأول (اكتوبر)، وفق ما أعلنت موسكو، حليفة النظام السوري، إلى إجلاء الجرحى والمرضى ومقاتلين ومن يرغب من مدنيين من الأحياء الشرقية عبر ثمانية معابر. وخصص معبران أساسيان هما الكاستيلو (شمال) والخير - المشارقة (وسط) لخروج المقاتلين والراغبين من المدنيين. ودخلت الهدنة الجديدة حيّز التنفيذ عند التاسعة صباحاً بالتوقيت المحلي (07.00 ت غ)، ومن المقرر أن تكون انتهت عند السابعة مساء (17.00 ت غ). وأكد مراسلان ل «فرانس برس» من جانبي معبر الخير - المشارقة أن أحداً لم يخرج من الجهة الشرقية بعد ست ساعات على بدء الهدنة. وأظهرت صورة التقطها مراسل «فرانس برس» في الجهة الشرقية من المعبر منطقة خالية تماماً سوى من الدمار والأعشاب اليابسة. وأظهر شريط فيديو بث مباشرة من معبر الكاستيلو على موقع وزارة الدفاع الروسية عدداً من سيارات الإسعاف تنتظر عند حاجز للجيش السوري حيث وضعت صورة للرئيس بشار الأسد من دون أن يتم تسجيل خروج أي شخص. وأكد بيان للجيش الروسي «إصابة اثنين من الجنود الروس من مركز المصالحة (في حميميم) بجروح طفيفة نتيجة اطلاق النار» على طريق الكاستيلو، المخصص للمسلحين أو المدنيين الراغبين في مغادرة المناطق المحاصرة. ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن «التنظيمات الإرهابية (...) استهدفت معبر الكاستيلو بسبعة قذائف صاروخية». وأفاد التلفزيون الرسمي عن «اصابة مراسل الإخبارية السورية بشظايا القذائف الصاروخية التي أطلقها الإرهابيون على معبر الكاستيلو». وأكد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبدالرحمن ل «فرانس برس» أن «الهدوء سيّد الموقف في حلب»، مضيفاً: «لم يتم تسجيل خروج أي شخص من الأحياء الشرقية». وكانت هدنة إنسانية بمبادرة روسية أيضاً استمرت ثلاثة أيام وانتهت في 22 تشرين الأول، فشلت في إجلاء جرحى ومقاتلين ومدنيين، بسبب توترات أمنية ومخاوف لدى السكان والمقاتلين الذين عبّروا عن انعدام الثقة بالنظام. واعتبرت الأممالمتحدة أن «العمليات الإنسانية في حلب لا يمكن ان تتوقف على المبادرات السياسية والعسكرية». وقال متحدث باسم مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ديفيد سوانسون ل «فرانس برس»: «الأممالمتحدة لن تكون معنية بأي شكل في إجلاء مدنيين من شرق حلب». واعتبر أن «عمليات اجلاء المرضى لا يمكن أن تحصل سوى إذا اتخذت الأطراف المعنية بالنزاع كافة الإجراءات اللازمة لتأمين بيئة مناسبة، وهذا ما لم يحصل». ورأت منظمة العفو الدولية أن «الهدنة الإنسانية الموقتة التي أعلنت عنها روسيا ليست بديلاً عن ايصال المساعدات من دون قيود وبطريقة منصفة»، مضيفة: «يجب أن يسمح للمدنيين الراغبين في المغادرة من دون قيود من قبل كل أطراف النزاع». وتحاصر قوات النظام منذ نحو ثلاثة أشهر أحياء حلب الشرقية حيث يقيم أكثر من 250 ألف شخص في ظل ظروف صعبة وسط نقص فادح في المواد الغذائية والطبية. وكررت فصائل مقاتلة رفض المبادرات الروسية. وقال ياسر اليوسف، عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين الزنكي»، وهي من أبرز الفصائل المشاركة في معارك حلب، ل «فرانس برس»: «لسنا معنيين بها ولا نثق بالروس ولا بمبادراتهم الرخيصة». وعلّق الجيش الروسي في 18 تشرين الأول، أي قبل يومين من الهدنة الإنسانية السابقة، غاراته على الأحياء الشرقية، ويقتصر قصف الطائرات حالياً على مناطق الاشتباكات في غرب المدينة. وكانت غارات سورية وروسية مكثفة حصدت على مدى اسابيع مئات القتلى في الأحياء الشرقية وأثارت تنديداً دولياً. وتدور منذ 28 تشرين الأول اشتباكات عند أطراف الأحياء الغربية لمدينة حلب الواقعة تحت سيطرة قوات النظام اثر هجوم شنته الفصائل وبينها مجموعات اسلامية وجهادية (بينها «جبهة فتح الشام»، أو «جبهة النصرة» سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة»). وصعّدت الفصائل الهجوم الخميس، لكن مراسلاً ل «فرانس برس» أفاد بهدوء طوال الليل حتى صباح الجمعة. وقال مراسل ل «فرانس برس» عند أطراف الأحياء الغربية ان الطائرات الحربية السورية جددت غاراتها على منطقة ضاحية الأسد. ونجحت الفصائل المعارضة والإسلامية منذ بدء هجومها بالسيطرة على منطقة ضاحية الأسد كما تقدمت في مناطق أخرى، وفق «المرصد السوري». وهي تسعى إلى التقدم نحو حي الحمدانية المحاذي للأحياء الشرقية، ما يمكنها من فتح طريق إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف حلب الغربي وكسر الحصار عن شرق حلب. ويقع حي الحمدانية بين ضاحية الأسد غرباً وحي العامرية شرقاً الذي تسيطر الفصائل المعارضة على اجزاء منه. ومنذ بدء هجومها، أطلقت الفصائل المعارضة مئات القذائف والصواريخ على الأحياء الغربية ما أسفر حتى الآن عن مقتل حوالى 70 مدنياً، بينهم 15 الخميس، وفق حصيلة ل «المرصد السوري». حماة على صعيد ميداني آخر، أفاد «المرصد السوري» بأن الطائرات الحربية جددت «قصفها المكثّف» صباح أمس على مناطق في بلدة طيبة الإمام وقريتي البويضة ولحايا ومناطق أخرى بريف حماة الشمالي (وسط سورية)، مشيراً إلى أن الطائرات الحربية كانت قد نفّذت بين منتصف ليلة الخميس إلى فجر الجمعة «غارات مكثفة على المنطقة». وتابع أن المروحيات ألقت أيضاً براميل متفجرة على طيبة الإمام التي تعرضت كذلك «لقصف صاروخي مكثف ... في عملية تمهيد تقوم بها قوات النظام تلاها هجوم جديد على المنطقة بغية تحقيق تقدم جديد». وفي هذا الإطار، أوردت شبكة «شام» الإخبارية المعارضة أن ناشطين في حماة حذّروا أمس «من موجة نزوح كبيرة لأهالي مدن الريف الشمالي لحماة، في حال استمر تقدم قوات الأسد في المنطقة، بعد سيطرتها على تل بزام الإستراتيجي بالأمس». وأضافت: «جاء التحذير من موجة نزوح كبيرة لمدن كفرزيتا واللطامنة ومورك والتي تقطنها آلاف العائلات، وذلك بعد اقتراب قوات الأسد من المنطقة، وسط حالة تخوف كبيرة من التقدم لهذه المدن والبلدات، وبالتالي (حصول) نزوح جماعي لسكانها باتجاه ريف إدلب». وكانت القوات النظامية سيطرت قبل يومين على تل بزام شرق مدينة صوران في الريف الشمالي، وسط محاولات أخرى لمواصلة التقدم في المنطقة و «استعادة كل ما خسرته (هذه القوات) من مناطق وصولاً إلى مدينة مورك، والتي ستكون هدفها الثاني في حال استمرت بالتقدم». وفي محافظة حمص (وسط)، أشار «المرصد» إلى تجدد المعارك في محاور جب الجراح وحقلي المهر وشاعر بريف حمص الشرقي، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جانب، وتنظيم «داعش» من جانب آخر، وسط استهدافات متبادلة ومعلومات عن خسائر بشرية. وتابع أن طائرات مروحية روسية استهدفت «في شكل متزامن خلال ال 24 ساعة الفائتة منطقة حويسيس، بعد تعرض مروحية تعود لسلاح الجو الروسي، لقصف من تنظيم «داعش» خلال هبوطها في المنطقة الواقعة ببادية حمص الشرقية». وقال: «استهدفت المروحيات محيط منطقة استهداف الطائرة، بالإضافة إلى استهدافها المروحية التي تعرضت للاستهداف، لتستكمل المروحيات الروسية تدميرها بعد إخلاء طاقمها، وعقب اندلاع النيران فيها». وفي محافظة ريف دمشق، ذكر «المرصد» أن معارك عنيفة تدور بين القوات النظامية والمسلحين الموالين لها من جانب، والفصائل الإسلامية والمقاتلة و «جبهة فتح الشام» من جانب آخر، في محيط منطقة البويضة الواقعة في غوطة دمشق الغربية «حيث تمكنت قوات النظام من تحقيق مزيد من التقدم والسيطرة على منطقة البويضة ... وبهذه السيطرة تكون قوات النظام قد ضيّقت الخناق مجدداً على خان الشيح، حيث تهدف إلى استعادة السيطرة على البلدة ومزارعها». ولفت إلى أن تقدم القوات النظامية ترافق مع قصف جوي عنيف استهدف المنطقة. وفي محافظة درعا (جنوب)، قال «المرصد» إن القوات النظامية قصفت تل جموع بريف درعا الغربي، كما استهدفت بالرشاشات الثقيلة بلدة ابطع بريف درعا الأوسط.