ان كنت محظوظا، فأنت من عائلة بسيطة ذات سمعة لابأس بها، هي ليست غنية ولا نافذة فتحتمل بها ومنها كثير الحسد وأغلال الأعباء ولا فقيرة فتشقيك بأثقال الحياة وكبد العناء. وأنت وسط في هذه الأسرة، تحظى بإخوة أكبر أحاطوك بالعناية ورحموك من مسؤولية لا تحتملها ضلوعك، ولديك إخوة أصغر جعلوك تجرب طعم أن تغرس بعض القيم في النفوس الإنسانية حين تكبر وتتعاظم. ستكتشف أخيرا أنك دائما ما تمثل الطرف الآخر حينما تواجه أحدا أكثر مما تمثل رأي الأغلبية السائدة، فأنت في وسط المدينة بدوي جاء لمجتمع الحاضرة، وفي أطرافها حضري تسلل إلى حيث القوة والجفاء هو من يسود. تدافع عن ذاك المنطق هنا، وتجرد هذا المنطق هناك، تخفف من غلواء المتشدد هنا حتى لو ظهرت كمتحرر لم يخسر دينه، وتدافع عن تمسك المحافظ هناك وسط بيئات تحاول نزع لباسه، حتى لو بدوت رجعيا في مجتمعات من يرون أنفسهم متقدمين، فهل يا ترى ما بين جوانحك هي النفس الوادعة الراغبة في أواسط الأمور المائلة إلى الدعة والاستقرار؟، أم أن ذلك ناجم عن ميل خفي للتميز والتمايز عن بقية خلق الله؟، أفتونا يا أطباء النفوس!. وقبل أن يفتي أطباء النفوس، سيكون كل ذلك هباء منثورا إذا كان الهدف في الاختلاف رفع العقيرة لإثبات فكرة ما أو لانتقاص رأي ما، وسيكون ذلك رائعا حتما إن كان حظ النفس في تلك الآراء المعاكسة حظا قليلا لا يروم صاحبه إلا أن تتراحم البشر بمختلف أشكال أفهامها. لا شيء يعيد لهذا التمزق في الآراء بعض التوازن إلا أن تكون رمانة توازن، لا يشحنك طرف ضد طرف آخر ولا جهة ضد أخرى، بل أن تظل تمارس دور الأخ الأصغر حين يطالب الكبير بحق الاحترام، وترنو بعقل الأخ الأكبر حين يطمح الصغار إلى أن يقفزوا إلى الأمام.