نعيش في زمن متلاطم الأحداث، أصبحت التغييرات فيه تأتي بشكل مفاجئ، فلا الأيام عادت كما هي في السابق، ولا الناس هم الناس، لهذا صارت المشكلات تنخر في كل شيء في هذا الزمان نخر السوس بين الأسنان، وتناهشته عقبات كثيرة لا طائل منها، كلما حاولنا الوصول لقاعاتها السحيقة اكتشفنا أن وراءها ظلمات يعلو بعضها بعضاً، ووفق هذه التغيرات صار المرء لا يستغرب أن تصيب بعض الناس حالات من الإحباط والاستسلام. لكن من يجلس مع نفسه جلسة تأمل فكري واستشراف روحي سيكتشف أن هذه الأزمات هي من صنع البشر، وإنها نتاج لسلوكاتنا الخاطئة وتصرفاتنا السيئة، لهذا صارت تقودنا أفكارنا السلبية للتشنج الفكري وللاستسلام الروحي، نظراً لانتهاجنا السلبية في كل شيء في عديد من تفاصيل حياتنا اليومية متناسين أن «مع العسر يسراً»، وأن الله الخالق الذي جعلنا نصل لهذه الدرجة من التشاؤم بسبب أفكارنا الضارة بيده وحده سبحانه مفتاح الفرج، وذلك حينما نعود لإيماننا بقدراتنا الذاتية ولأفكارنا النافعة بعدما نطرد من تفكيرنا كل فكرة سلبية قاصمة للعقل قبل الظهر، حيث سنتمكن بكل يسر وسهولة من ردم الهوة التي تفصلنا عن العيش بسلام. المسألة ببساطة متناهية، ابحث عن ذاتك في كل هذا الركام المتصاعد أمامك، فلا شيء يدوم، الأصدقاء ذاهبون والأموال لا تبقى والأيام تتسارع أمامنا كتسارع الأنفاس لكن المرء منا حينما يفقد ثقته بنفسه سيفقد بالتالي الإيمان بوجود الخالق، ومن فقد استحضار خالقه لن تنفعه الدنيا ولو جاءته تجر أذيالها، لأنه لا يستطيع الاستفادة منها، لأنك أيها الفاقد للنعيم ستحيط بك السلبية من كل جانب، وتكون رؤيتك للحياة رؤية مشوشة ينقصها كثير من الثقة، ويتملكك الهوان والخوف من المستقبل، لأن العقبات والسلبيات المحملة معك من سنينك الخوالي ستشدك للماضي الذي يشكل لك العقبة الهاوية التي لا تساعدك على عبور هوّة الحاضر لمعانقة المستقبل المشرق بالحياة والحب والجمال، ووفق هذه الحالة لا يمكنك الاستفادة من كل شيء، لأن جذوة الإيمان بجمال الحياة نابعة من صدق اليقين بوجود الخالق الذي هو سبحانه أسّ الاتزان الروحي «ألا بذكر الله تطمئن القلوب»، وعندها سيسكن الجمال والخير والحق كل ذرات جسمك يا من كنت تعيس البال متعكر الخاطر، لا تقوى على ممارسة التفكير بكل ما هو مفيد ونافع. حتماً بالطبع ليس بمقدور الجميع القضاء على الشر أو التخلص من السلبية في حياتنا، ولكن بمقدورنا تعميم ثقافة الجمال، ودفعها للأمام بكل قوة وحماس ليزداد منسوب الجمال فينا وتسمو ثقافة السلام في أنفسنا، وفي هذه الحالة سيتراجع كل قبح إلى الوراء وينحصر في الزوايا والنتوءات البعيدة في حياتنا، ولا يكون للأفكار السلبية مجال للخروج وللتمدد ما لم نُتِح نحن لها الفرصة للعودة من جديد، واعتلاء أماكن الصدارة في دواخلنا. نبينا الكريم – عليه الصلاة والسلام- دعانا للتفاؤل «تفاءلوا بالخير تجدوه»، وخير وسيلة للتفاؤل ترك كل فكرة سلبية تزرع فينا بذور الشقاق، وتدفعنا للانفعال، لأن الانفعالات تفتت العزيمة وتقتل روح الأمل، وتقضي على بذرة السلام فينا، فلا يكون للحب أو الجمال أي مبرر للوجود في ذواتنا المشغولة بكثرة الانفعالات، لهذا يسيطر الفشل على النجاح، غير أن الذين يفكرون دائماً في نشر ثقافة الجمال وزرع الحب بين الناس، ونشر الخير بين أفراد المجتمع، هم أكثر الناس سعادة، وأقدرهم على تجاوز عقبات الفشل، والوصول إلى المستقبل بكل يسر وسهولة وسلام.