عندما كان عددٌ من الرجال والنساء والأطفال يسيرون على غير هدى عبر حقولٍ مقفرة؛ ظهر أحد مقاتلي المعارضة السورية على طريقٍ في شمال بلاده وأشار لهم برفع أيديهم في الهواء. راح المقاتل يفتشهم ويتفقد هواتفهم المحمولة لمحاولة التأكد مما إذا كانوا من المتعاطفين مع تنظيم «داعش» الإرهابي. ولم تكن تلك المجموعة سوى أسرتين من مدينة تلعفر قرب الموصل «شمال العراق». لكن هؤلاء يمثلون جانباً من سيل متزايدٍ من الوافدين على شمال سوريا هرباً من الصراع الدائر في الأراضي العراقية والسورية التي لا تزال تخضع لسيطرة «داعش»؛ مع تسارع وتيرة العمليات الرامية لسحق مقاتلي التنظيم. وروى أحد الرجلين الشقيقين اللذين فرّا مع زوجتيهما وأولادهما «الحمد لله، قضينا 3 أيام فقط على الطريق، بعض الناس يستغرقون شهراً أو أكثر». دفعت الأسرتان 32 ألف دولار لمهرّبين لنقلهما داخل صهاريج وقود لمسافة نحو 500 كيلومتر وصولاً إلى حدود الأراضي الواقعة تحت سيطرة «داعش» في الشمال السوري. ومن هناك؛ سار أفراد الأسرتين مسافة ال 25 كيلومتراً الأخيرة للوصول إلى نقطةٍ أمنيةٍ تابعةٍ للجيش السوري الحر خارج بلدة الراعي على الحدود التركية. وهذه المنطقة في شمال غرب سوريا طهرتها تركيا وحلفاؤها في المعارضة من مقاتلي «داعش» في أغسطس الماضي. وشرح أحد الشقيقين طالباً عدم نشر اسمه حمايةً لأقاربه الذين مازالوا يعيشون في مناطق سيطرة التنظيم «بقينا في الصهريج لأكثر من 9 ساعات، أغمِي على المرأتين من الحر ونقص الأكسجين». وأوضح «الأطفال أخذوا دواءً حتى يناموا ولا يستيقظوا عندما يقرع أفراد داعش على الصهاريج في النقاط الأمنية للتأكد من عدم وجود أحد بداخلها». وكشف الرجل عن هدفٍ مقبل له، وهو عبور الحدود إلى تركيا للحاق بأقاربه. وحكَى أن مقاتلي «داعش» كانوا «يقتلوننا كل يوم» ويفرضون الغرامات باستمرار، مشيراً إلى إرغامهم الرجال على إطلاق اللحى، و»إذا ارتكبت أي خطأ فسيفرضون عليك غرامة قدرها 50 ألف دينار عراقي أو 100 ألف دينار (85 دولاراً)». ووفقاً له؛ فإن الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لحكومة بغداد «تعتبرنا من داعش حتى إذا قلت لهم إننا مدنيون»، لذا يرى أنه «لا حيلة لنا في الهروب من الخوف المزدوج من داعش والفصائل الإيرانية والشيعية». ومن المنتظر أن تبدأ القوات العراقية بدعمٍ من التحالف الدولي تنفيذ عمليةٍ لإخراج مقاتلي التنظيم الإرهابي من معقلهم في الموصل؛ ربما في النصف الثاني من أكتوبر الجاري. وترمي هذه الخطوة إلى توجيه ضربة قاصمة للمتطرفين. وتسبَّب الهجوم المتوقع في زيادة أعداد المغادرين للمنطقة المحيطة بالمدينة منذ مايو الماضي، وفقاً لما أعلنته هيئةٌ منتسبةٌ للأمم المتحدة تراقب التحركات السكانية داخل سوريا وطلبت عدم الكشف عن هويتها حمايةً للعاملين فيها. ويثير وجود الفصائل الشيعية المدعومة من إيران والموالية لبغداد مخاوف خصوصاً مع دخولها مناطق ذات غالبية سنيَّة مثل تلعفر. ويتخذ مقاتلو المعارضة الذين يديرون نقاطاً أمنية في شمال سوريا إجراءاتٍ للتحقق ممن ينتمي إلى «داعش» ومن لا ينتمي لها. وتتلخص مهمة مقاتل معارِض، يُدعى أبو محمد، في فحص اللاجئين والسماح لهم بالدخول. وأكد هذا المقاتل «عندما نمسك بفردٍ من داعش من بين المدنيين الهاربين نستجوبه ونحاول معرفة ما إذا كانت له خلايا نائمة فيما بيننا» و»إذا تبرأ أحدٌ من داعش نعامله معاملة حسنة، وإذا كانت له أسرة نحاول تأمينها حتى إذا كانت لا تزال في أراضي داعش». ولفت أبو محمد إلى تلقّي الوافدين الذين يُسمَح لهم بالمرور مساعداتٍ ومواصلاتٍ مجانية من بلدة الراعي إلى المدن الأخرى التي يسيطر عليها معارضون لنظام بشار الأسد. وشرح لاجئٌ سوري واسمه محمد (35 عاماً)، أنه سافر نحو 50 كيلومتراً من منطقة تحت سيطرة «داعش» قرب مدينة منبج «شمال سوريا» التي طُرِدَ التنظيم منها في أغسطس الماضي على يد تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» المدعوم أمريكيّاً. ودفع محمد للمهربين 40 ألف ليرة سورية «حوالي 80 دولاراً» عن كل طفلٍ من أطفاله الأربعة وشخصين بالغين رافقاه في رحلته. لكنه أقرَّ بأنه لا يملك خططاً محددة عن وجهته النهائية، فالمهم «أننا رحلنا»، حسب تعبيره. وأفادت الهيئة المنتسبة للأمم المتحدة بامتلاكها معلوماتٍ عن هروب ما لا يقل عن 6 آلاف شخص من الرقة، معقل «داعش» في سوريا، إلى مناطق سورية أخرى خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس الماضية. وسافر غالبية هؤلاء إلى مناطق تحت سيطرة التنظيم في شمال غرب محافظة حلب ليقتربوا بقدر المستطاع من حدود مناطق تحت سيطرة الجيش الحر؛ بهدف مواصلة السفر إلى تركيا إذا أمكنهم ذلك. وتحدثت الهيئة الأممية ل «رويترز» عن أكثر من 5500 شخص رحلوا عن محافظة دير الزور «شرق سوريا» الخاضعة لسيطرة التنظيم والمتاخمة للأراضي العراقية. واتجه غالبية هؤلاء إلى محافظة الحسكة «شمال سوريا» التي تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية. أيضاً؛ يتجه إلى الحسكة عبر الحدود كثيرٌ من الهاربين من المناطق التي يسيطر عليها «داعش» حول الموصل. وروى أحمد خضر، (26 عاماً) من دير الزور، أن أفراداً من «داعش» صادروا أوراق هويته. واضطر أفرادٌ من مجموعته إلى دفع 25 ألف ليرة سورية «48 دولاراً» للفرد للقيام بالرحلة إلى الراعي. وتمثَّل جزءٌ من الرحلة في السير 40 كيلومتراً على الأقدام. وذكر خضر «ممنوع مغادرة الأراضي تحت سيطرة داعش، وأغلب السيارات على الطريق كانت تخاف من نقلنا لمجرد أننا من دير الزور». ودفع وائل الجاسم (22 عاماً) 60 ألف ليرة سورية «116 دولاراً» عن نفسه وعن كل من زوجته وطفليه للسفر من مدينتهم في أراضٍ يسيطر عليها التنظيم الإرهابي في حلب. وأبان الجاسم «قررت تهريب نفسي لأنه لم يكن لدي عمل، وسواءً بداعش أو من غير داعش كيف سأطعم أسرتي إن لم يكن لدي عمل؟». ويقدِّر مقاتلو المعارضة الواقفون عند النقاط الأمنية حول الراعي أنهم يشاهدون ما لا يقل عن 3 آلاف شخص يمرون كل يوم. ويفيد المقاتل أبو محمد «الهاربون في حالٍ بائسة، فهم يسيرون مسافات طويلة ويدفعون مبالغ كبيرة من المال للمهربين».