يعد التدريب سلوكاً إنسانياً منذ القدم، ومصدراً مهماً من مصادر إعداد الكوادر البشرية من أجل تطوير كفاءاتهم، وأداء أعمالهم، وزيادة الإنتاج والإنتاجية، بما ينعكس إيجابياً على أداء المنشآت التي ينتمون إليها، ويبقى التدريب أحد الأسباب الرئيسة وراء كل نجاح يحققه أي نشاط، ووسيلة لتطوير الفرد من خلال توظيف أساليب وطرائق مختلفة تناسب طبيعة العصر الذي نعيشه وفق التوجيهات العالمية المعاصرة. وأثبتت الدراسات بما لا يدع مجالاً للشك دور التدريب كاستثمار بشري، وأنه من أفضل أنواع الاستثمار الذي يحقق عائداً ملموساً يساهم في تلبية احتياجات النمو الاقتصادية، والاجتماعية، فضلاً عن كونه، وسيلة مهمة في محاولات اللحاق بركب التقدم والتكنولوجيا. وتزداد أهمية التدريب أثناء الخدمة في العصر الحديث، حتى أصبح ضرورة، ملحة، نظراً للتطور السريع في المجالات، والمهن كافة مما يستلزم مواكبة الأفراد هذا التطور المتسارع، الذي يضع الأفراد أمام مسؤوليات جديدة، ومهام كثيرة، وأعباء متنوعة لابد من الوفاء بها، حتى يكون عضواً صالحاً منتجاً في مجتمعه، يؤدي مهامه الوظيفية بفاعلية، ويبقى الهدف الأساسي للتدريب هو العمل على تضييق الفجوة القائمة بين نظام التعليم بأنواعه المختلفة، وبين مجالات العمل المطلوبة، إذ يحتاج الموظفون والعاملون إلى إعادة التدريب من وقت إلى آخر، لأن التدريب يمكِّن الأفراد من الإلمام بكل ما هو جديد في ظل التقدم الهائل في كافة المجالات، وتزويد الأفراد بالخبرات وتحسين مستوى رضاهم عن أنفسهم أولاً وعن وظائفهم بكل تأكيد، ورفع الروح المعنوية مما يؤدي إلى تحسين المناخ العام للعمل، كما يساعد التدريب في عملية تخطيط القوى العاملة، وتعزيز التنمية الشاملة، وإيجاد علاقة إيجابية بين المنشأة وأفرادها. ومن هنا لم تغفل (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) التي طرحها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله على مواصلة الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد أبناء الوطن بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل التي تحتاج إلى مهارات نوعية بكفاءة عالية، وتعزيز الجهود في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل وفق مبادئ الإرشاد والتوجيه المهني نحو الخيارات الوظيفية المناسبة لكل فرد مع الأخذ بالاعتبار الفروق الفردية، وتنمية الفرص الوظيفية والتدريبية للجميع، والتعاون مع القطاع الخاص والقطاع غيرالربحي في تقديم مزيد من البرامج والفعاليات المبتكرة لتعزيز الشراكة التعليمية وتوفير فرص التدريب للخريجين محليًا وعلميًا. وتطرقت الرؤية إلى تأسيس مجالس مهنية خاصة بكل قطاع تنموي تعنى بتحديد الاحتياجات والمهارات التدريبية، وتوسع في التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية مع تركيز على المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني ومن ذلك الابتكار في التقنيات المتطورة وفي ريادة الأعمال. وستعمل الرؤية مع القطاعات العامة على تطبيق أفضل الممارسات التدريبية والتعليمية على موظفيها للتأكد من توافر المهارات اللازمة والمقومات الضرورية للتعامل مع المستقبل الذي تصبو إليه الرؤية وفق الاحتياجات المحددة والمتفق عليها مسبقاً من خلال المجالس المؤسسة لذلك، ومن ذلك تدريب (500) ألف موظف حكومي عن بعد وتأهيليهم لتطبيق مبادئ إدارة الموارد البشرية وفق أعلى المعايير العالمية في الأجهزة الحكومية لتحقيق النتائج المتوقعة منها بإذن الله بحلول (1442ه – 2020م)، كما سيدعم ذلك إيجاد قوائم من المواهب والكفاءات البشرية ليكونوا قادة في المستقبل يعتمد عليهم بعد الله في الدفع بعجلة النهضة والتنمية التي تطمح إليها الرؤية ويفخر بها كل سعودي على هذا الوطن. وستمضي (رؤية 2030) بكل جدية على تأسيس برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية الذي سيعوز على توفير إدارة للموارد البشرية، في كل جهاز حكومي، يقدم من خلاله الدورات التدريبية والفنية لتطوير المهارات والمواهب، ورفع إنتاجية الموظف وكفاءته إلى أعلى مستوى عبر تطبيق معايير إدارة الأداء والتأهيل المستمر، وبناء منصات رقمية للمهمات الأساسية المشتركة في القطاعات المختلفة لتعزيز التكامل فيما بينها، ووضع سياسات محددة لتحديد قادة المستقبل وتمكينهم، ودعم صناعة البيئات المحفزة التي تتساوى فيها الفرص ويكافأ فيها المتميزون. كما تصبو الرؤية إلى تدريب وتأهيل المواطنين للعمل في الصناعات والقطاعات العسكرية وما يتضمن ذلك من صيانة، وبحث، وتطوير عن طريق إبرام عقود استثمارية، وشراكات استراتيجية مع شركات رائدة في هذا القطاع بهدف نقل المعرفة والتقنية وتوطين الخبرات لدعم الاكتفاء الذاتي بسواعد أبناء الوطن في كافة القوى العسكرية والدفاعية وتعزيز تصدير هذه المنتجات الدفاعية إلى الدول الإقليمية والعالمية. وتسعى الرؤية إلى خطو خطوات طموحة لرفع مستوى أداء الأفراد عن طريق إكسابهم المهارات الحرفية النوعية، والأدائية التطويرية في ميادين أعمالهم، وزيادة قدراتهم على التفكير الابتكاري بما يمكنهم من التكيف مع عمالهم من ناحية، ومواجهة مشكلاتهم والتغلب عليها من ناحية أخرى، وإعطائهم مساحات رحبة للإبداع والأصالة، وتنمية الاتجاهات السليمة للفرد نحو تقديره لقيمة عمله وأهميته والآثار الاجتماعية المتصلة به، والمترتبة عليه، وتعزيز الحس المهني الوطني للإخلاص في أداء المهام الموكلة لهم بجودة عالية. واختم بما قاله ولي ولي العهد حفظه الله «رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، ومعكم وبكم ستكون المملكة العربية السعودية دولة كبيرة نفخر بها جميعا إن شاء الله .»