يتذكر موظفو الحكومة – وكنت واحداً منهم «معلماً» آنذاك- أن رواتبهم تضاعفت مرتين على الأقل في عهد الملك خالد -رحمه الله- ولن ينسى المعلمون والمعلمات أن كادرهم الوظيفي المتميز صدر في عهد الملك خالد، ولن تنسى الهيئة الملكية في الجبيل وينبع أنها تأسست في عهده، ولن ينسى الشعب السعودي والعالم الإسلامي كله أزمة الحرم التي عالجها خالد بن عبدالعزيز بمنتهى الحكمة والحزم. عرف الناس خالد بن عبدالعزيز برجل الصدق والخير، وهما أبرز صفات المؤمنين وأعظمها، وسمى الشعب السعودي عهده ب«عهد الخير»، وقد كان كذلك فعلاً. لم أتشرَّف بلقاء الملك خالد، لكنني وأثناء تجولي في المحطة الأخيرة للمعرض الذي افتتحه الأمير محمد بن فهد مساء الأربعاء الماضي عن سيرته في الخُبر، شعرت بأن معرفتي بالملك خالد -رحمه الله- قريبة مما رواه المعرض وأظنها تتفوَّق عليه في بعض الجوانب، وسأقول السبب. هناك نخبة من الوزراء الذين كانوا شباباً في بداية عهده واختارهم لتشكيل أول وزارة، هاموا به حّباً، بل إن بعضهم عشق الملك خالد، ومن أبرز هؤلاء العشاق الذين تعرفت عليهم فيما بعد الدكتور غازي القصيبي والدكتور محمد عبده يماني -رحمهما الله- وهما كان يتحدثان عن الملك خالد حديث العاشق، وكانا يرويان عنه قصصاً ومواقف كثيرة تشمل جوانب مختلفة من شخصية الملك إنساناً وأباً ومسؤولاً، وفيها طرائف وعِبَر ودلالات، ولا أدري إن كان من حقي أن أروي بعضها أم لا، ولست متأكداً هل هي أو بعضها موثَّقة في المعرض -تسجيلاً أو كتابة- أم لا، وليس هناك حرج في روايتها سوى دقة النقل الذي قد يزيد أو ينقص بحكم تناقل الرواية وسماعها من أكثر من طرف مما يتطلب متخصصاً للمقارنة والتثبت، وهي قصص ومواقف جميلة ومعبِّرة، وأهم من هذا أنها عفوية، والعفوية والتلقائية كانت من أبرز صفات الملك خالد، حيث لم تتلبسه مطلقاً هالة الملك إلاَّ بمقدار ما تحتم عليه المسؤولية التي تحملها باقتدار وجرأة ورشد. هناك قصص ومواقف وأقوال تروى عنه في المقناص، وفي العمل، وفي المسجد، وفي لقاءاته بالناس. والملك خالد شخصية عظيمة، وإنجازاته كملك سيحفظها التاريخ، وهي مدوَّنة في سجلات الدولة، أمّا تلك القصص والمواقف، فهي تندثر وتموت بموت رواتها ومعظمهم مازالوا أحياءً سواءً من المواطنين أو من المسؤولين، أو من المحيطين به، والأجيال اللاحقة يهمها أن تعرف شخصيات العظماء كاملة، في ميدان المسؤولية والإنجاز، وفي ميدان الإنسانية والحياة البشرية الطبيعية، ولعل أبناء وبنات الملك خالد، الذين يُشكرون على كل ما فعلوا لتخليد سيرة والدهم، يلتفتون إلى هذا الجانب المهم، فيسجلوا ويوثقوا تلك القصص والمواقف إن لم يفعلوا حتى الآن، وهذا أمل وتطلع سبق أن عبَّرت عنه في مقالات قديمة وطالبت أن تجمع تلك القصص والمواقف عن شخصيات الملوك سعود وفيصل وفهد -رحمهم الله-، فهذا ما أظنه يحتاج جهداً من أبنائهم وبناتهم أكثر من إبراز إنجازاتهم التي سيهتم بها المؤرخون ويحفظها تاريخ المملكة. لقد شاهدت في المعرض مساء أول أمس دمعة الملك خالد عندما زار مصابي حادثة الحرم المكي فتملكني الشجن، وتذكرت أنني سمعت مواقف كثيرة لدموعه وإنسانيته العظيمة، وتذكرت أنني شاهدت تلك الدمعة في حينها على شاشة التلفاز، وتذكرت أن رجالاً ونساءً من أهلي وأقاربي آنذاك دمعت أعينهم مع دمعة الصدق التي انحدرت على خد الملك الصالح، والآن، وفي نفس السياق، أجد أن أفضل ما أختم به هذا المقال هو كلمة الأميرة البندري بنت خالد بن عبدالعزيز، التي تلتها في ختام الفيلم الخاص عنه، ببلاغة وفصاحة نادرتين تُغبط عليهما، تقول البندري وأنا معها أقول عن خالد بن عبدالعزيز: كان هاجسه لوطنه وأنتم.. كان عشقه لوطنه وأنتم.. من الشاطئ للشاطئ جنوباً وشرقاً وغرباً والصحراء وسطاً وشمالاً.. وكان المحزم لأهله أنتم.. وإخوانه إذا اشتدت الأمور.. كان همه لوطنه وأنتم.. كان كالغيث إذا هلّ أينع كان هواه أرضها وناسها.. كان المحب والمحبة والمحبوب.. كان رحمة قوة، ولم يكن رحمة ضعف.. كان حاضر البديهة لمَّاحاً.. ولم يكن يخشى سوى الله.. خالد.. ليس صورة أو فيلماً وثائقياً أو كلمات ابنته.. خالد هو أنتم فابحثو عنه في ملامحكم وفي الرمل.. والماء.. والوادي .. والجبل الأشم.. المملكة العربية السعودية.