حينما أصدر المرحوم الدكتور غازي القصيبي كتابه «حياة في الإدارة» قبل ما يقارب عشرين عاماً أحدث حراكاً ونقاشاً ما زالت تدور رحاه إلى اليوم. في سابقة أن يكتب وزير تجربته الإدارية بشفافية عالية يسوق فيها رؤيته ويروي من خلالها حكاياته. فتنادى القراء لهذا الكتاب الذي تزيد طباعاته إلى اليوم لأكثر من عشر طبعات. لن استطرد في تلك الاستلهامات التي استخرجها كثير من القراء في مجال التدريب الإداري والفوائد العملية التي من الممكن تطبيقها في بيئات العمل من خلال تجربة الوزير القصيبي رحمه الله حتى شاهدت كثيراً من الباحثين والمهتمين قد اعتمدوا هذا الكتاب خطة عمل وتدريب للطلاب والدارسين والمتدربين. إلا أن ما قصدته من خلال قراءتي لذلك الكتاب تلك الروح الصادقة التي تحدث بها غازي عن الملك خالد رحمه الله والذي أعجب بصراحة ووطنية وصدق القصيبي. فكان رفيقاً له في رحلاته الداخلية والخارجية. تحدث القصيبي عن الملك خالد رحمه الله في هذا الكتاب كما تحدث عنه في كتابه الآخر «الوزير المرافق» وسرد العديد من المواقف الصريحة التي تعبر عن وجهة نظره ولا يتردد في رفعها وبيانها للملك خالد رحمه الله. ومنها قصة خطابه عن ظهور صور النساء في إحدى الصحف ومنع ظهور المرأة في التليفزيون. وعلى الرغم من عدم العلاقة الرسمية للوزير القصيبي آنذاك بهذا الأمر بالذات على اعتبار أن بيده حقيبة الصحة وليست حقيبة الإعلام. إلا أن ذلك لم يرده عن حجب رأيه أو بيان وجهته حيال ما صدر. وها هو غازي القصيبي المعروف بوضوحه يصف الملك خالد رحمه الله فيقول «كان الملك خالد رحمه الله مؤمناً صادقاً صالحاً نقي الصلاح متواضعاً بسيطاً قريباً من هموم الناس حريصاً على إنصاف المظلومين شديد الاهتمام بالضعفاء». تذكرت تلك الكلمات وأنا أستمتع بقراءة ما دونه الدكتور غازي عن الملك خالد رحمه الله في كتابه الآنف الذكر حياة في الإدارة وإن كنت قد قرأته قبل عدة سنوات. بل بلغ من إعجاب غازي بالملك خالد وصلاحه ونقاء قلبه أن وعد قراء كتابه أنه سوف يخرج كتاباً آخر منفرداً عن الملك خالد رحمه الله وسيرته. بل إنه أشار في أواخر حياته إلى أنه أنجز قسماً كبيراً من هذا الكتاب. ويا ليت صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز وهو الابن البار بأبيه الملك الصالح حياً وميتاً أن يتم الإسراع بسؤال أبناء الدكتور غازي القصيبي عنه وطباعته ونشره لأنه يمثل بحق وثيقة تاريخية صادقة عن الملك خالد رحمه الله من أقرب الناس إليه وأكثرهم منه مودة. بل إني لا أبالغ وأنا أتصفح كتاب الصديق حمد القاضي الذي دونه عن الوزير غازي القصيبي رحمه الله وأسماه «قراءة في جوانب الراحل د. غازي القصيبي الإنسانية» أنها نتيجة لتأثره بصفات الملك خالد رحمه الله. كيف وهو قد حفظ كلمته التي كان يرددها حيث يقول دائماً ما يوصينا بكلمته الدارجة «الضعوف» ثم يجمع صفات الملك خالد بقوله إن التواضع والبساطة هي مفتاح شخصية الملك خالد. ثم يعقب بكلمة عظيمة ويقول وهو يصف الملك خالد رحمه الله «كان رجلا نادراً لم يسمح للملك أن يغيره». جميع تلك الخواطر استجمعتها وأنا أشاهد ذلك الحفل المهيب الذي أقامته مؤسسة الملك خالد رحمه الله وتسليم الجوائز للفائزين برعاية كريمة من ولي العهد وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز. حيث اجتمع ذلكم الحشد الهائل من المحبين لذلك الملك الصالح حتى وإن لم يشاهدوه ولم يقتربوا منه. كنت إبان وفاة الملك خالد رحمه الله طالباً في المرحلة الثانوية نتذكر مشيته وقامته وعصاه الجميلة ودقلته المتميزة وابتسامته الدائمة وسماحة النفس ونقاء القلب الذي كنا نسمعه من الناس عن هذا الملك الصالح. وإن نسيت فلا أنسى ونحن في ذلك اليوم قد تحلقنا حول التلفاز نستمع إلى كلمته لقادة الأمة الإسلامية إبان مؤتمر مكة الشهير وإذا بعبراته تحاصره فيبكي ويبكي الملايين بدمعته الصادقة في بيت الله الحرام. كان الملك خالد رحمه الله حاضراً تلك الليلة بمآثره ومكارمه وصفاته بل وصوره الجميلة النادرة وأبنائه وأحفاده ثم توج بحضور إخوانه وعلى رأسهم ولي العهد الأمين. ومن لطائف الحفل أن الجائزة الكبرى قد منحت لشخصية عظيمة طالما نهل من إنسانية الملك خالد ولطفه وتواضعه وشفقته وهو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله. وهذه عين من عيون المراثي قالها د. غازي القصيبي رحمه الله في الملك خالد عند وفاته التقط منها الأبيات الرائعة التالية: وغبت في الأمس عل الأمس يسعفني إذا أفقت ولم أبصرك صبح غد فلحت لي وجدار الموت منتصب حتى لأوشك شوقاً أن أمد يدي أراك رغم ضباب البين يا رجلا به تزايد ملك وهو لم يزد هل كالبساطة تاج عز لابسه هل كالتواضع عرش ثابت العمد وا خالداه.. وعاد الناس وانصرفوا وأنت في القبر لم تبرح ولم تعد تبارك الله.. نجري كلنا زمرا نحو المنون.. ولا يبقى سوى الصمد فقل لمن يعشق الدنيا.. أتخطبها وهي الولود وغير الموت لم تلد [email protected] فاكس : 014645999 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 253 مسافة ثم الرسالة