يتسابق أهل طيبة الطيبة في هذا الشهر الفضيل، بالمشاركة في تزويد موائد الإفطار داخل المسجد النبوي الشريف، وفي ساحاته وأروقته وسطح المسجد بجميع المأكولات والمشروبات في عادة رمضانية توارثوها من سنين طويلة، وتمسَّك بها الأبناء بعد الآباء والأجداد، جيل بعد جيل بتسابق الغني والفقير فيهم إلى تفطير الصائمين طامحين في الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى. ويستمتع الصائم بتناول إفطاره في رحاب مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الذي يشهد هذه الأيام توافد أكثر من رُبع مليون مسلم ومسلمة للصلاة والعبادة فيه والتشرف بالسلام على المصطفى -عليه الصلاة والسلام- وعلى صاحبيه أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، بتناول الإفطار بعد يوم من الصيام منتشرين بين أروقته وساحاته في مشهدٍ لإفطار جماعي يجسد معنى التلاحم والترابط والتآخي بين المسلمين يجمعهم دين الإسلام باختلاف لغاتهم وألوانهم على مائدة واحدة في حرم المسجد النبوي الشريف. ومع هذا الشغف الذي يحمله أهالي المدينةالمنورة لخدمة زوار المسجد النبوي سلطت «واس، الضوء على هذا الاهتمام الكبير الذي يقوم به الصغير قبل الكبير وهم يرسمون ابتسامات عريضة على محياهم في استقبال الصائمين، النابع من اهتمامهم وحبهم لفعل الخيرات مزينين موائد الإفطار في المسجد بأجود وأطيب وأعرق المأكولات المدينية المعروفة والمشهورة. وأوضح مدير العلاقات العامة بوكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي الشريف عبدالواحد الحطاب، أن الوكالة تنظِّم الإفطار داخل المسجد النبوي وفي ساحاته بتهيئة السبل للقائمين على هذه السفر بطريقة مرتبة ومنظمة بتحديد مواقع لهم، كما تستقبل الوكالة الزوار على مدار الساعة بكامل الخدمات كتهيئة الأجواء المناسبة للعبادة من حيث الفرش وتوفير حافظات المياه الباردة من مياه زمزم داخل المسجد وخارجه، مشيراً إلى أنه يتم استقبال موائد وسفر الصائمين من أصحابها بعد انتهاء صلاة العصر مباشرة، وذلك داخل المسجد النبوي من خلال أبواب معلومة من جهات المسجد الأربع لدخول هذه السُّفَر المحتوية على التمر والقهوة ولبن الزبادي والخبز بوجود المراقبين للإشراف على ألا يخالف أحد بدخول أشياء غير مسموح بها، ومن ثم يبدأ مد السُّفَر داخل المسجد ووضع هذه الأطعمة عليها حتى وقت أذان صلاة المغرب ويبدأ إفطار المصلين، وقبل إقامة الصلاة يتم رفع هذه السُّفَر وبقايا الأطعمة بطريقة سريعة بتعاون ما بين العمالة والمشرفين وما بين أصحاب السُّفَر . وقال إن السُّفَر الرمضانية الخاصة خارج المسجد يسمح بمدها أيضاً من بعد صلاة العصر من خلال تقسيم الساحات إلى مربعات للصائمين للرجال وأماكن خاصة للنساء وممرات واسعة لعبور المشاة والعربات الخاصة بالخدمة، حيث تحتوي هذه السُّفَر على الأطعمة الساخنة المراقبة من أمانة المنطقة مثل الأرز واللحوم بأنواعها، بالإضافة إلى الفواكه والعصيرات المعلَّبة والتمر ولبن الزبادي والقهوة وحافظات مياه زمزم التي توفرها الوكالة، مؤكداً أن المكان بأكمله تشمله عمليات التنظيف بعد إفطار الصائمين وقبل إقامة الصلاة لتهيئتها لأداء صلاة العشاء والتراويح. من جهتهم، أكَّد أصحاب الموائد والقائمين على الموائد الرمضانية أن استعداداتهم لهذا العمل الذي يتشرفون بعمله يبدأ منذ وقت مبكر قبيل دخول شهر رمضان طلبا للأجر والثواب في هذا الشهر الفضيل. وقال الأمين بن محمد بغدادي «أحد القائمين على هذه الموائد»، إنه توارث هذا العمل المشرف من والده وجده، حيث يقومون بتجهيز أغراض السُّفَر الرمضانية منذ وقتٍ مبكر يصل إلى شهرين بتقديم أفضل أنواع التمر للصائمين بالمسجد، والماء في أواني «التوتوة»، وهي كاسات نحاسية يقومون بتبخيرها بالمستكة يومياً لتعطي رائحة وطعم مميز للماء عندما يشربها الصائم، وكذلك فناجين القهوة من نوع الملامين ويتم غسلها وتبخيرها بالمستكة أيضاً، إلى جانب صحون الرطب من الملامين بحيث تكون جاهزة قبل الظهر ثم يتم نقلها للمسجد. وعن مكونات المائدة الرمضانية، أوضح الأمين أن المائدة تحتوي على «الحيسة» وهي عبارة عن تمر مطحون يحمص مع الدقيق والسمن واللوز المحمص والدقة المدينية، بالإضافة إلى الخبز المحبب من نوع «الشريك» المديني واللبن الزبادي الطازج والقهوة العربية. أما عامر المطيري الذي اعتاد على إقامة مائدته في ساحة المسجد النبوي الشريف، فذكر أنه يقوم بهذا العمل منذ أكثر من 25 عاماً، في حين يقول متعهد السُّفَر أبوعبدالعزيز إن هذا العمل الخالص لله سبحانه وتعالى يتشرفون بعمله منذ أكثر من 40 سنة داخل المسجد النبوي وفي ساحاته، محتوياً على الرطب والعجوة والسكري وروثانا والقهوة واللبن والدقة والزعتر والشريك والشاي وعصيرات متنوعة.