في الأيام التي تسبق شهر رمضان الكريم، أصبح من المألوف رؤية أفراد الأسرة السعودية، كعادتهم، في «مراكز التموين» يدفعون سلة التسوق، وقد تكدست بكل المواد الغذائية التي تكفي لإعاشة الحي الذي تقطنه تلك الأسرة لعدة شهور غير آبهين بالإسراف وتبذير أموالهم، والمبالغ المدفوعة من جيب رب كل أسرة تصنَّف ضمن فئة الآلاف، وليس فئة المئات، فهي ليست لشهر رمضان! وإذا تتبَّعنا هذا الأمر، ومن أين أتت هذه الطلبات «ورقة المقاضي» ومَن كتبها، ومَن حدَّد الكميات المطلوبة من كل صنف، فسنجد أنها «الأم» بالتأكيد، «سيدة المنزل وشمعته»، ويحق لنا أن نسأل: على ماذا بَنَتِ «الأم» الغالية نظريتها في شراء تلك الكميات الكبيرة من المواد الغذائية؟ وللإجابة على هذا السؤال بصورة دقيقة لابد لنا أن نسرد «قصة قصيرة»: تبدأ «الأم» بالبحث منذ بداية شهر شعبان في كل البرامج الموجودة على هاتفها المحمول عن آخر الوصفات وأجددها، وعن الأطباق الأكثر «جمالاً بمنظرها»، والأكثر «إغراءً بألوانها الزاهية»، وتلك الغارقة بكريمة كاملة الدسم، والمحشوة ب «تسبيكة» من اللحم المفروم، والمزيَّنة أخيراً بثلاثة أصناف من الجبن حتى يكتمل طعمها اللذيذ، ولا نخفي عليكم حقيقة أنها كذلك لذيذة، وفي أثناء بحثها عن تلك الأطباق تبدأ بكتابة حاجتها من المواد الغذائية المطلوبة لإعداد كل وجبة من تلك الوجبات للفطور والسحور، ولا تنتهي إلا بعد كتابة ورقتين كاملتين من الأمام والخلف بكل ما تحتاجه. لا نريد أن نوجِّه المواعظ حول الشعوب التي شُرِّدت من أوطانها، وتمر بمجاعات قاسية، أو حول سلوكنا الاستهلاكي السيئ في الشراء، وننبهكم إلى أن الأوضاع تغيَّرت، وفاتورة المياه مازالت تنتظركم آخر الشهر، فاقتصدوا، لكن نريد أن نغيِّر طريقة بحثكم عن الأصناف، وما يوضع على موائدكم، فبدلاً من البحث عن لذة المذاق، وتجانس أصناف الطعام، وكثرة المكونات، فليكن البحث عن مدى فائدة هذا الأطباق وإمدادها جسم الصائم لمدة 15 ساعة تقريباً بالفيتامينات والمعادن المطلوبة. لتكن الأطباق صحية أكثر مع الابتعاد عن تلك المشبعة بالدهون، ولتكن سهلة الهضم على المعدة وبكميات قليلة محدودة تكفي حاجة كل فرد بدلاً من تنوعها الزائد، ما يدفع الأبناء إلى أكل مزيد منها وبالتالي زيادة الكيلو جرامات. ابحثي عزيزتي الأم عن الصحة والفائدة أولاً، والمذاق اللذيذ أيضاً، فأنتِ قادرة على تحويل الوجبات إلى وجبات صحية مع الاحتفاظ بمذاقها الشهي. ألم تغيِّري من طريقة طهي أشهر صنف على مائدة رمضان «السمبوسة»، وتبدِّلي حالها من «سمبوسة مقلية» إلى «سمبوسة مشوية»، وتقبَّلها الجميع، وحازت على رضاهم، وكان هدفك المنشود من ذلك جعلها بدهون أقل؟ إذاً المسألة سهلة فقط غيِّري طريقة بحثك، وابتعدي عن آلاف السعرات الحرارية في بعض الأصناف التي ليست منها فائدة سوى أن مذاقها طيب. أمهاتنا العزيزات، أدامكن الله لنا، وشكراً لتعبكن، وطول مدة وقوفكن في المطبخ، شكراً لبحثكن عن الأطباق الجديدة، واهتمامكن بذلك، فهذا دليل على محبتكن لأسركن، والشكر الأعظم لكل «أم» عاملة في شهر رمضان لا تعود إلى منزلها إلا بعد انتهاء آخر ساعة في الظهيرة الملتهبة بشمسها، وتبدأ بإعداد مائدة أسرتها، شكراً من القلب، لكن تذكَّرن هذه المقولة: فليكن طعامكن أفضل دواء للجميع.