هَات الصحائفَ يا وفاء، وهاكَ قلمي فرُبَّ له نداء، فبدل بمداده تلك الدماء، واسطُر به على صفحاتها ذاك الشقاء، ثم اعزف على إقدامِنا لحن الفناء، فما لبائسةٍ مثلي على تلك المآسي، إلا البكاء، واصدح بما في القلب، لكن، لأبواب السماء! «يا أهل حلب، هذي الجراحُ تهزنا من كل جانب، وكأننا نشكو كما تشكون من تلك المصائب، لكن أيدينا قاصراتٌ عاجزاتٌ ! بين يدي تلك المشاهد، مستسلمات، فقد صُمّت آذانُنا، وغُلّت أكُفُنا وأقدامُنا، وسالت عبراتُنا باردةً، فقد اعتادت أن ترى تلك النوائب، فقد اعتادت أن ترى تلك النوائب»! فسلونا أي يدٍ يجمُل بنا أن نمُدّ؟ وأي معوناتٍ ترجون منا أن نُعِدّ؟ آهٍ ما أقربكم منا وأبعدكم عنا. نبيتُ وأرواحنا ثكلى، ووسائدنا من العبراتِ تُروى، وأنفسنا تتوق إلى خلاصكم، ودعواتنا لعلها تصلُكم، فلستم في حال رثاء فنرثي ميتكم، ولا في حال فقدٍ فنعزي في فقيدكم، بل في كربٍ شديد ومرزئةٍ عامة وإبادةٍ مروعة ومجاعةٍ فاتكة، مع كرامةٍ شاهقة، فنبئوني أي شيءٍ يجدر بمثلي أن تفعله؟ وأي الكلمات مع العبرات مع الدعوات أن أقدمه ؟ فما هي إلا حروفٌ بائسات، على قرطاسٍ مكلوم، بقلمٍ بكيم.