21 عاما من الحكم شهدت عديداً من قصص الذكاء والدهاء والحكمة للقائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه-. فكانت ثمرة ذلك توالي النجاحات والإنجازات على الصعيد السياسي، سواء كان ذلك على الصعيد الداخلي مع القبائل والعائلات من شمال المملكة لجنوبها ومن شرقها لغربها أو على الصعيد الدولي خصوصا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فإذا كان للسياسة ملك في الشرق الأوسط فهو «الملك عبدالعزيز». أُسست جسور العلاقة الدولية المتينة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية بخلطة سحرية محنكة تحوي سياسة الذهب الأسود مع الحكمة وسياسة الدهاء المطلق للملك المؤسس – طيب الله ثراه -. ففي سنة 1943م كانت أول زيارة لوفد المملكة العربية السعودية للولايات المتحدةالأمريكية، وذلك بعد تكليف الملك المؤسس عبدالعزيز أخويه الأمير فيصل والأمير خالد، للسفر من أجل لقاء الرئيس الأمريكي وأعضاء الكونغرس الأمريكي، للبحث في السبل الممكنة لتعزيز العلاقات المستقبلية بين البلدين. وبالفعل في سنة 1945م رست أول سفينة أمريكية على ضفاف البحر الأحمر ليُتوج اللقاء بين الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت وجلالة الملك عبدالعزيز بتوقيع اتفاقية تدشن العلاقات بين الطرفين، معلنةً بذلك عن التعاون السياسي والاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين. تاريخياً يُعد عهد الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – شاهدا على الانطلاقة الحقيقية لتلك العلاقة التي تعبر عن عمقها ومتانتها مقولة «الذهب لا يصدأ»، والمقصود من ذلك الوصف المجازي التعبير عن مدى عمق وأصالة العلاقة بين البلدين، إذ لم ولن تتأثر بقيادة رئيس أو تنصيب ملك منذُ تأسيس المملكة العربية السعودية حتى أيامنا هذه، توالى على الحكم سبعة ملوك من الأسرة الحاكمة. تخللها عديد من الأحداث والأزمات المواقف التي سرعان ما أثبت للعالم أجمع أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية علاقة متينة تتميز بالتفاني والإخلاص في شتى المحافل الدولية. وفي استعراض سريع لأبرز الزيارات وماجاء فيها، تعود بِنَا الذاكرة لزيارة الملك سعود – طيب الله ثراه – سنة 1962م إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث زار الرئيس الأمريكي جون كينيدي لبحث سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين. وفي 1964 تولى المغفور له بإذن الله تعالى الملك فيصل بن عبدالعزيز مقاليد الحكم وقد التقى بالرئيس الأمريكي الراحل لندون جونسون عام 1966 وتم الاتفاق بينهما على تأسيس مشاريع تنموية في المملكة، تحت إشراف مباشر من بعض الشركات المهمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي زيارة أخرى عام 1971 التقى الملك فيصل بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في العاصمة الأمريكيةواشنطن، لبحث العلاقات المشتركة وبحث آلية تأسيس لجنة الاقتصاد المشترك بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة. لاحقاً وتحديداَ في العام 1978 قام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بزيارة العاصمة الرياض للقاء الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله – لتدشين المفاوضات حول مشروع السلام بين العرب وإسرائيل والمسمى بمشروع «كارتر لتحريك عملية السلام». تلا تلك الفترة تولي المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز مقاليد الحكم لما يقارب ثلاثة وعشرين عاماً، تخللها العديد من الزيارات واللقاءات الودية المتبادلة لدعم وتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين. فعلى سبيل المثال في العام 1985 قام الملك فهد بن عبدالعزيز بزيارة خاصة للعاصمة الأمريكية للقاء الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، لإجراء بعض المباحثات الخاصة بين البلدين. ومن ثم قام الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) بزيارات مكثفة للعاصمة السعودية الرياض، لبحث العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، وذلك إثر كارثة حرب الخليج وتداعياتها التي عصفت بالمنطقة. لم تَخْلُ فترة حكم ملك الإنسانية الملك عبدالله بن عبدالعزيز – طيب الله ثراه – من زخم الزيارات الودية بين البلدين. حيث تكررت الزيارات الرسمية للملك الراحل للولايات المتحدةالأمريكية تخللها لقاءات خاصة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) وتم الاتفاق خلال إحدى الزيارات على عدة مشاريع في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية. وفي عام 2009 زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما العاصمة السعودية الرياض والتقى بالملك عبدالله بن عبدالعزيز لمناقشة بعض الأزمات في الشرق الأوسط وإيجاد سبل لفض النزاعات وإيجاد آلية لدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة. وفي عام 2015 رحل ملك الإنسانية ليعلن للعالم تسليم مقاليد الحكم لملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز، تبع ذلك زيارة سريعة للرئيس الأمريكي باراك أوباما للعاصمة السعودية الرياض، لدعم أواصر العلاقات مع المملكة. تلا ذلك رد للزيارة في العام الجاري 2016 حيث قام الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة العاصمة الأمريكيةواشنطن والتقى فيها بالرئيس الأمريكي باراك أوباما لبحث العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي وبحث الاستراتيجيات الفاعلة لضمان استمرارية العلاقة المتينة بين الطرفين. باغتت العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية عديد من الأزمات والملفات السياسية والأمنية الشائكة في الشرق الأوسط، حيث راهن كثيرون على أنها بداية نهاية العلاقة وأكدوا على قدرة تلك الأزمات على الفتك بالروابط المتينة بين البلدين، ولكن وبعد كل أزمة وكرب سرعان ماتثبت تلك العلاقة قوتها وقدرتها على التصدي للشوائب معلنة للعالم أجمع أنها علاقة من ذهب، والذهب وإن اتسخ أحياناَ فمن المستحيل أن يصدأ. وفي الختام علينا أن نطبق مقولة «صديق الكل ولست صديقا لأحد» ومن الحنكة السياسية علينا ألا نخسر تحديدا علاقتنا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فكلما نتعامل بهدوء وحنكة والحذر مع أي قضية سياسية، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. فلابد من أن نؤمن بألا نتخذ القرارات السريعة. علينا ألا نتوقع الأفضل من الجميع لكي لا ننصدم في الواقع ومن ثم نصبح بلا أصدقاء.