الموتُ كامنٌ في الزمن، يمر بجانبنا في كل لحظة من حياتنا ولا نتفطن له، ننساه ولكنه لا ينسانا، تلك هي الحقيقة التي نتغافل عنها، فكلما مضى جزءٌ من الثانية من حياة الإنسان؛ كان ذلك موتاً لجزءٍ من عمره، وهذا الجزء يكفي لجعل المستقبل حاضراً، والحاضر ماضياً! جاءني الخبر دون تمهيدٍ لوَقْعِ الفاجعة، هكذا: «أخوك أحمد مات»، لولا أن اتصل بي أخي الأصغر الشيخ أنور محمد الميرابي، ليخفف بإيمانِهِ هولَ مُصابي، وقبل أن أستوعب الحقيقة أمضيت اللحظات الأولى غير مُصدقٍ وكأنما خلوت من الإيمان؛ فشرعت أستغفر الذي خلق الموت ولا يموت، ثم عاد الشيطانُ يغويني لأقول: كلا، كلا لم يمت، ثم طفقت أستدرك أنْ لا قيمة للحياة إلا باستحضار الموت الذي هو بداية الحياة الدائمة التي يعمل الإنسانُ من أجلها في الدنيا، ثم دار حديثٌ بيني وبين ابني الأكبر محمد أحمد الميرابي، وابنتي الكبرى بسمة أحمد الميرابي؛ فكانا سلوتي بينما يحدثانني عن وصايا والدهما، يرحمه الله. الموتُ لا مَهربَ منه ولا مفر. قال الحقُّ جَلَّ شأنه: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ». فأسأل الله لك المغفرة والرحمة يا أحمد. ولن أنسى أيام الطفولة عندما كنا نلعب معاً، ولا ليالي الصبا حينما كنت تعلمني معنى الحياة، ولا سنوات الرشد بينما تهديني الكتب كلما غدوت مِصْرَ برفقة زوجتك المخلصة «سلوى» التي لم تصدق بعد أنك ودعتها فلن تراك أو تسمع حديثك الحاني معها ثانية. أخي أحمد، أسأل الله الكريم أن يجعل من موتك هذا تحولاً إلى السعادة الأبدية، والنعيم السرمدي، وأسأله تعالى أن نلحق بك عليه. قلتُ: الموت هو الشيء الوحيد الذي يمنحك موعدا للقاءِ ربك.