يرى كثيرٌ من أهل الاقتصاد أن مفهوم الإصلاح الاقتصادي يجب أن يشمل «كافة التشريعات، والسياسات، والإجراءات التي تساهم في تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقاً لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصادات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي، وعليه فإن هذا المفهوم للإصلاح الاقتصادي ينطوي على حسم لكثيرٍ من الجدل والنقاش حول هوية النظام الاقتصادي، وحول كثير من التفاصيل، مثل دور الدولة، والعلاقة بينه وبين دور السوق، والبعد الاجتماعي للتنمية…». وهذا المفهوم الشامل للإصلاح الاقتصادي لا يقتصر على تطوير الآليات التشريعية، والبيئة القانونية التي تنظِّم علاقات الأطراف المختلفة بعضها ببعض فحسب، بل يتجاوز ذلك وصولاً إلى البنية الاجتماعية، والسياسية في الدولة، فليس من الممكن الحصول على النتائج المنشودة للإصلاح الاقتصادي ما لم يقترن هذا المشروع بالتحديث الحقيقي في كافة الأنظمة التي تتداخل مع الشأن الاقتصادي، ونعني بذلك النمط الاجتماعي، السياسي، الفكري والتعليمي، ولذلك كانت نتائج كثيرٍ من برامج الإصلاح الاقتصادي حول العالم مخالفةً للأمنيات، رغم الخطط الطموحة والنجاحات التي تم تشييدها على الورق قبل البدايات الفعلية لهذه البرامج، وقد كان من أهم أسباب فشل هذه البرامج الإصلاحية ما ورد في تقرير الصندوق الدولي لعام 2010، حيث ذكر التقرير أن التحديث في الجانب الاقتصادي لم يواكبه تحديث حقيقي في بقية الجوانب السياسية والاجتماعية والتعليمية، ولذلك كانت النتائج هزيلة لغالب هذه البرامج الإصلاحية. ربما كانت الطمأنينة، وكان التفاؤل، لدى الشعب السعودي، أبرز نتائج حوار ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع «بلومبيرج»، هذا الحوار الذي حرك الراكد في أسواق العالم المترقبة، ووضع وجهةً جديدةً لبوصلة عمالقة الأعمال والاستثمار، أصبح سبباً جديداً لثقة المواطن السعودي في مستقبله، حيث أوضح هذا الحوار الملامح العريضة لمشروع «رؤية المملكة»، الذي سيشكل نقلةً تاريخية للسعودية في جميع جوانبها، كما سيضعها في مكانها الذي يليق بها وبمواطنيها، كما أوضح كذلك صلابة الأرضية التي تقف عليها السعودية في شتى المجالات، ما سيمكِّن السعودية من أن تتحرك في الصفوف الأمامية لدول العالم بشكلٍ أو بآخر، كل هذه النجاحات ونحن لم نزل في البدايات فقط. وقد كان الحديث في الوسط الاقتصادي السعودي في الأشهر الماضية حول بعض الأمور التي سيؤدي تغييرها إلى التأثير على رفاهية المواطن سلباً، أو إيجاباً، وعلى المدى القصير، أو الطويل، ومن أبرز هذه الأمور حجم الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية بعد انخفاض أسعار النفط، وتسجيل العجز الأول في الميزانية منذ سنوات، وما هي المعايير التي ستعتمدها الحكومة لإكمال، أو إلغاء المشاريع التي تم رصد مخصصاتها، وما هي القطاعات ذات الأولوية القصوى التي لن تسمح الدولة بالمساس بمخصصاتها، أو التأجيل لمشاريعها؟ كما تناول الحديث برامج الدعم والإعانات الحكومية المختلفة، وكيف سيتم تقنينها وتوجيهها إلى المستفيد المستحق بشكلٍ مباشرٍ يحقق الهدف الحقيقي منها، كما تطرق أهل الاقتصاد إلى موضوع الضرائب، وأيهما أجدى: ضريبة القيمة المضافة، أم ضريبة الدخل؟ وهل سيتم إلغاء رسوم بعض الخدمات في حال إقرار الضرائب، أم إنها ستكون مصدراً إضافياً للدخل لا بديلاً عن مصدرٍ آخر؟ كل هذه النقاشات وغيرها بدأت تخرج من نطاق التخمين إلى نطاقٍ أقرب إلى الحقيقة، ويبدو التفاؤل والاطمئنان غالباً على أكثرها. المستقبل الاقتصادي للسعودية هو نفسه حلم المواطن السعودي، ولكي يتحول هذا الحلم إلى واقعٍ جميل، علينا جميعاً أن ندقق في بعض التفاصيل التي ستمكننا من تحقيق هذا الحلم المشترك للدولة والمواطن، أوجب هذه التفاصيل أن تكون رفاهية المواطن هي الغاية النهائية الفعلية لأي إصلاحٍ اقتصادي، وأن تكون هذه الرفاهية حقاً مقدساً لا يمكن المساس به، التفصيل الثاني هو أن يتم مراعاة الشرائح الأقل دخلاً وتجنيبها، قدر الإمكان، أي تبعاتٍ سلبية لبرامج التحديث الاقتصادي، أما التفصيل الثالث الذي يجب التدقيق فيه، فهو النأي بضرورات الحياة مثل: المسكن، والغذاء، والعلاج، عن أن تكون مصدر جبايةٍ، أو مورداً لزيادة الدخل للدولة، رابع هذه التفاصيل، هو وجوب تقوية المواطن في مجابهة رأس المال عن طريق إصدار التشريعات والقوانين التي تجعل من المواطن نداً له، وعدم السماح لرأس المال بمختلف أشكاله وتجلياته أن يكون حكماً في مصائر الناس وأقواتهم، آخر التفاصيل، هو العدالة في المغنم والمغرم، فبقدر غنمك يكون غرمك. هذه التفاصيل لكيلا يشرد النوم من جفوننا كما فعل مع بيرم التونسي، رحمه الله: ما شَرَّدَ النومَ عن جفني القريحِ سوى طيف الخيالِ خيال المجلسِ البلدي إذا الرغيفُ أتى، فالنصفُ آكُلُهُ والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي.