هل جربت مرة أن تقف محرجاً بقامتك الطويلة بين قامات قصار. هل جربت مرة أن تخجل من بياض بشرتك في محيط من الجلود الغامقة. ألم تُحرج يوماً من اعتدال قامتك في وسط يئن من السمنة. هل جربت مرة أن تبتلع فهمك للثقافة والقيم في محيط يكفر بها ويمقتها. ثمة بيئة تقودك إلى النجاح، تحتفل بإنجازاتك، تستثمرها، تربيها لتكبر فتبيعها «على العالم»، التنافس في بيئة مثل هذه هو للأعلى. وثمة بيئة مهزومة، تباهي بالماضي الذي رحل، تخشى انتصاراً أكبر للمستقبل، تسحب القامات التي ترتفع فيها إلى الأسفل كغريق يتشبث بغيره لينجو ولو أغرقه. هنا التنافس يحصل للأسفل. تتداعى إلى ذاكرتي قصص شتى، كان فيها جمال اللفظ، وبهاء الطلعة، وحُسن الأدب مدعاة تندر واحتقار في بيئات عرفتها صغيراً حتى كدنا نكبر حاملين تلك العقيدة، فنعيد إنتاجها من جديد. في بيئة مثل هذه لا تُضع وقتك، الهجرة منها أولى من «مناكفة القناعات»، والاعتدار عن النجاحات أولى من مواصلتها في مجتمع لا يحتفل بها، بل يزدريها خانقاً بها أصحابها. هل قلت الاعتذار عن النجاحات، تبدو غلطة أليس كذلك؟ لكنها حيلة ذكية في مجتمعات مثل هذه حين تريد العيش بسلام دون أن تظهر ك «نبي» يحاربه قومه.