العلم لا يستغني عن الخبرة، والخبرة لا تستغني عن التنظيم، والتنظيم لا يستغني عن التنفيذ، والتنفيذ لا يستغني عن المتابعة،الدائرة الإدارية في حال اكتمالها تؤدي إلى عمل المعقول والمنطق في سبيل إنجاح المنظومة، سواءً كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، أيما كان صاحب يسار أو يمين أو وسط.والمشكلة التي يمر بها المجتمع، هي اعتناقه أفكارا ومبادئ غزت بلاده في حقبة الستين بعد أن بزغ نجم الدول الشرقية أو الكتلة الشيوعية أو المبدأ الاشتراكي في مقابلة عمل رأسمالي غربي، فلم يستطع المجتمع العربي أن يستوعب ذلك الغزو العقائدي، في جذوره وتصرفات معتنقيه وصانعي قراراته. إن الغزو المذكور من الطرفين الغربي والشرقي -وأعني الغزو الفكري وما تلاه من هيمنة عسكرية فكرية أصَّل الانحياز إليها- أوجد نوعاً من الشك في كل الأطراف المعتنقة لهذا أو ذاك. ومع مرور الإعلام المؤثر المحدود في عقل الفكر العربي في ذلك الحين -أوجد رغم محدودية ضخ الزخم الإعلامي (بما يتناسب وذاك الزمن)- أوجد شكاً في كل ما يقال من نظريات. فهذا يدافع عن رأيه ومبادئه، والآخر يفعل ذلك، وقامت صراعات فكرية ألغت في كثير من الأوقات مواقف ثلة كبيرة من المثقفين من آرائها التي سبقت أن ثبتتها في عقول العامة إلى مواقف مناقضة لما بدأت به، وذلك تخوف وتوجس وقلق من السلطة أو أن ينسب لها عدم القدرة على استيعاب الجديد المطروح. وهنا أصبح المجتمع الصاخب ينظر إلى أهداف يبثها الإعلام ويضخم معناها، وقدرتها، وكانت محطة سلام لمجتمع المنطقة؛ لأن التوجه كان حول (إسرائيل) وهو الهدف الذي يتمنى كل الجيل تحقيقه، وفي كل مرة يرى كرامته وقد نزلت. ويُبعث الإعلام بقوة جديدة ليلغي النتائج المدمرة إلى استعداد إلى مغامرة جديدة أو حرب جديدة. وأصبحت مفروضة؛ لأنها بلغت الحلقوم، وتأصل الشك وعدم الثقة بين دول عربية في المنطقة بالتزام عقائدي، أحدهما مستورد والثاني منزل بأحكام روحية إلهية.ورغم أنني لا أتكلم عن التطبيق وإنما عن الشعار واللقب الذي تحمله هذه الدول وإعلامها الذي كان قوياً جذاباً في داخل قطرها، ولا يمثل كثيراً إلا لأولئك الذين يؤمنون بهذا المبدأ والمعتقد، ليس إيماناً بما فيه وإنما حباً لأشخاص أو رغبة في معارضة أشخاص،وتأججت المجتمعات بالشك المتبادل حتى أنهي القتال بين إسرائيل بشكله الذي نحن فيه مع بعض الدول، بالصلح أو الهدنة أو التفاهم مع الآخرين، وبالرغم من ذلك الانقضاض على مبدأ، تحول المجتمع إلى المبدأ الآخر، وفتح المجال إلى المبدأ الثاني لأن يدخل إلى البلاد العربية، بل أصبح من سماتها أكثرها.وكان ولا يزال أصحاب المبادئ الجديدة لم تُعتق آذانهم وأفكارهم ممن سبقهم. فالشعارات والمحسوبيات ارتفعت واستثمرت رغم التحسن في الخدمات والإنتاج وزاد حجم الفساد كماً وكيفاً. وانتقل الإعلام إلى منظومة غير مرغوب في مشاهدتها إلى وسائل أخرى، وجيل جديد ورث عن والديه قصص الخوف والرعب من السلطة والأحكام والحرب والشكوى، أصبح هذا الجيل مستمعاً إلى الشكوى أكثر من الشكر. وخوفاً وصحبة للأبناء وبموافقة المبدأ الجديد والانفتاح المثالي والحركة الإنتاجية، بدأ مجتمع جديد يتلقى تعليمه خارج بلاده ويعرف قيمة الإنسان وواجباته وحقوقه، ويرى في مجتمعه تخلفاً لا يريده ولا يرى فيه نوراً لمستقبل يجد فيه العلم مكانته بين الجيل الذي أخذ العلم بالاستماع والخبرة بالتطبيق، واختصرت المسافة بين الخيال والحقيقة فسيطر إعلام جديد فردي وجماعي ومجتمعي على فكرة شكوى وتذمر قديم، وعلم يعرف مكان الخلل ومعسكر قديم يتخلله معسكر جديد ولكن لا يحمل أفكار وآمال الجديد؛ لأن الهيمنة المالية قد أخلت التوازن الفكري.الثقة لا تصنعها قوانين مستوردة أو دساتير موضوعة. الثقة تصنعها الأخلاق التي يتمتع بها المجتمع ابتداء من البيت، المدرسة، القدوة والمجتمع.. وهنا تكمن مشكلة البيت الذي يعاني من اضطهاد مزمن توارثه وأورثه فكرياً وعملياً ومعيشياً، ومدرسة لا تلقن غير منهج متهالك من كل جوانبه، وقدوة إن وجدت فإن السلطة تحكم تصرفها وإن لم توجد ضاع البيت، وتخلت الأم، وانشغل الأب في تحصيل ما يكفي الحياة الكريمة إن استطاع.وتحول المجتمع إلى أرباح وصفقات تجارية وأرقام فلكية، وصفعات إلى الآخرين بقدر أرقامها. هنا.. اصطدمت الخبرة الموزونة الشريفة مع العلم الحديث الذي يعبر عن الظلم وينشد العدالة والحق.. عبَّر عن ذلك بغضب وهياج وتلقى من الذين يزعمون أنهم القادرون على العمل والإنتاج والتقدم وأن هؤلاء أهل العلم الحديث لا يعرفون ولا يعلمون.الخبرة الموزونة الشريفة التي ترغب في التكامل والتآخي مع العلم الحديث.. أيضاً مكان شك عند هؤلاء أصحاب العلم الحديث وأهل الكتلة المجتمعة بغير قيادة ولا تنظيم معروف ولا تنفيذ مدروس ولا متابعة بغير الطريق الأول (هياج).ورغم أن ذلك قد حدث فعلاً فإن العلم وحده لا يقود المسيرة وليس بإمكانه أن يفعل ذلك إلا عندما يخوض تجاربه بنفسه ويتعلم منها وهذا يكلف كثيراً من الوقت والتردي والفوضى والخوف والمنازعة وتصارع الأفكار وعدم قدرتها على التوافق.إن الخبرة الشريفة وهي مليئة في الساحة مع تعاون وثيق مع العلم، تستطيع أن تبني قدرة على وضع التنظيم المثالي والتنفيذ المذهل والمتابعة بشرف وأمانة.إن الحب يصنع المعجزات. فهل هناك من يحب؟ ويثق؟ ويعمل بصمت وإخلاص وجدية؟. ممكن إذا وهب الله الحكمة لنا. وهذا ما نحتاجه ونسير عليه.. وسوف نصل بفضل الله. ثم بما أعطانا الله من حكمة ولي أمر يحب ويثق ويعمل بإخلاص. و جدية وحنواً.. ورجولة وعطفاً.. الحمد لله رب العالمين..