ذات مساء، جمعتني محاضرة عن الفن التشكيلي، بطلابِ مدرسةٍ ثانوية، وأثناء الحوار، سألت: ما معنى قول الله تعالى: «وزرابي مبثوثة»؟ فلم يهتد أحدٌ إلى الإجابة الصحيحة، فسألت: ما معنى قوله تعالى: «كالعهن المنفوش»؟ فتعذرت عليهم الإجابة أيضاً. لم أكن أقصد اختبار معلومات الطلاب الدينية، بل وددت دفعهم لتأمل بلاغة القرآن العظيم، غير أنه لفت انتباهي طلبٌ وجهه إليّ أحد الطلاب، قائلاً: اسألنا عن الجهاد- يا أستاذ- إنْ كنت تريد إجابات صحيحة؟! لِنَعُدْ إلى موضوعنا. قال علماءُ التفسير: «العهن» هو: «الصوف المصبوغ بألوانٍ شتى». وهذا هو مقصدي من تأمل مفردة «العهن» إذ يقول الله جلّ شأنه: «وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ» ولم يقل الصوف المنفوش؛ ذلك أن الجبال ذات ألوانٍ مختلفة، وبما أنها كذلك، فقد كان وصفها بالعهن عند زوالها يوم القيامة أبلغ وأحكم وأدق تعبيراً، أما وصفها بالمنفوش، أي: الضعيف المفرق بعض أجزائه عن بعض ليغزل أو تحشى به الحشايا، أو تطير به أدنى ريح؛ أعظم وأهول من أن تكون كالعهن من غير نفش؛ لأن الجبالَ تندكّ فتتفرق أجزاءً. أما إعادة لفظ «يكون» في قوله تعالى: «يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ» مع حرف العطف في الأخرى؛ فإنما هو- بحسب بعض اللغويين- للإِشارة إلى اختلاف الكونين، فجاء في أولهما: كونُ إيجاد، وفي الآخر: كون اضمحلال، وكلاهما علامة على زوال عالم وظهور آخر؛ فما أجمل تدبر بلاغة لغة القرآن المجيد، ولا أعظم من أن نخر لله ساجدين شاكرين أن جعل الدين الإسلامي بلغتنا العربية الخالدة، التي طفقنا نفاخر بغيرها في حواراتنا العربية.