تناقلت وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين خبر تحطم طائرة «فلاي دبي» العرضي المفجع، وحيث إن توقيت سقوط الطائرة، وتحطمها كان في اللحظة الأخيرة «أثناء الهبوط»، فلنا أن نتخيل المقاعد المملوءة بالمسافرين، الذين يستعدون للوصول، ولتوهم انتهوا من «هندمة» ملابسهم، وما هي إلا لحظات حتى حلَّت بهم الكارثة، وغدت أجسامهم أشلاءً متناثرة، وضاعت منهم أكثر اللحظات انشراحاً وبهجة، لحظة «فك الأحزمة». بعدها بأيام قليلة، حلَّت فاجعة أخرى، تمثلت في عمل إرهابي «انفجار» في مطار بروكسل، لقي فيه عدد من المسافرين مصرعهم، فبدل أن تحلِّق أجسامهم في السماء مؤقتاً، حلَّقت أرواحهم إلى الأبد إلى المولى عز وجل، وبقيت أجسادهم في الأرض حتى تُدفن. ربط الله على قلوب ذويهم، وألهمهم الصبر والسلوان. ماذا بعد كثرة حوادث الطائرات، ومحطات السفر، وبطاقات صعود الطائرة التي تحولت، فبدل أن تكون لرحلة مؤقتة، أصبحت لرحلة أبدية نحو «الموت»؟! لماذا لا نتوقف قليلاً للتفكير في ذلك، ونستحضر مقولة الروائية أحلام مستغانمي: «أكره المطارات، وأكره مراسيم الوداع، الذين نحبهم لا نودعهم لأننا في الحقيقة لا نفارقهم، لقد خُلق الوداع للغرباء وليس للأحبة»؟ كم هو مؤسف أن نفرط في وداع المسافرين، ونتهاون حتى في إيصالهم إلى بوابة الصعود. مؤلم حقاً أن يرحل أحبابنا قبل الوصول إلى محطتهم، أو حين انتظارنا عودتهم، والأشد إيلاماً شعورنا بالندم بعد أن يخطفهم الموت منا. كيف تنازلنا عن حضن الوداع، وقبلاته، وال «تربيت» الأخير على الأكتاف، والدعاء لهم «استودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه». كم هو محزن أن نتنازل عن حقنا وحق أحبابنا في لحظات ما قبل السفر، «دفء اليدين في التصافح، ابتسامة الشفتين، وإطالة النظرة في تلويحة الوداع». كفانا إهمالاً للمسافرين «فالوداع للأحبة وليس للغرباء».