في معاركنا الثقافية طوال عقدين، نكسِّر أقلامنا، نحرق أوراقنا، ثم نذهل حين نكتشف أننا نتأخر أكثر، وأن صورتنا تهتز أكثر، ورسالتنا الثقافية تضمحل أكثر. نُكسِّر أقلام بعضنا حين يشير لنا أحدهم من بعيد أنها ليست رؤوس أقلام وإنما هي سنان رماح، نحرق أوراق بعضنا حين نظن أن سوادها المكتوب بمهج الروح وشطحات الفكر يلطخ بياض صفحاتنا. لا يفوز بمعارك الثقافة إلا الرسائل الأكثر ثباتاً، أما الرسائل المترددة فتبقى للاستهلاك المحلي ولملء صفحات الصحف المحلية وساعات بث الفضائيات الترفيهية التي تتعاطى مع رسائل الثقافة باعتبارها ساحة جدلٍ، لا منصات إبداعٍ وترسيخ صورة وقدرة على الحضور والتأثير في عوالم أوسع وأطيافٍ أكثر تنوعاً. حين كانت مؤسسات الإعلام والثقافة تدار حكوميّاً بالكامل كان الحال أفضل على المستوى الثقافي مع إنتاج نماذج ثقافية تمثل البلاد تحظى بالاحترام الكافي والمسؤولية الكافية للجلوس على عرش التمثيل لبلادٍ يُنظر إليها بشكل مختلفٍ عن باقي بلاد العالمين. وبلادنا التي انتظرناها أن تواصل في هذا المجال مع عنايتها بمن يمثل ثقافتها نراها طوال عقدين وقد تركت الحبل على الغارب لمؤسساتٍ خاصة لم تراعِ كونها تخاطب بلداً مختلفاً بكل معنى الكلمة على مستوى القيم والتقاليد، وفي كونها كذلك تخاطب العالم العربي نيابة عن هذا البلد. هذه المؤسسات الإعلامية والثقافية لم تشغل إلا بكونها معاول هدم لمنظومة قيم وتقاليد لن يتنازل عنها مجتمع صعب المراس كالمجتمع السعودي الذي يتعامل بقليل من الثقة مع تلك الأقنية ووسائل الإعلام حتى لو تهافت على موادها الترفيهية، إلا أنه لا يقبل أن تمس منظومة قيمه وتقاليده، لتصبح هذه المؤسسات كمن أفنى عمره يضرب بمعوله الصغير حائطاً فولاذيّاً، فلا هو قد أزاحه ولا هو قد انشغل بما ينفعه. وفي هذه المرحلة الصعبة من عالم اليوم الذي ينكشف فيه الغطاء عن حلفاء لم يعودوا كذلك ومنظومات ثقافية دعائية لم تصمد أمام وسائل كشفها وتفنيدها، فعلى مؤسسات الثقافة أن تغير نهجها كي تتغير النتائج.