لم يكن إقرار الجمارك رفع أسعار السجائر من باب الحلول للإقلاع عن التدخين، أو التقليل منه، بل بحسب المتحدث الرسمي للجمارك، فإن هذه الضريبة تسمى الضريبة الاستيفائية المفروضة على تلك الأصناف من السجائر، التي يتم المفاضلة فيها بين العدد والوزن، وهي ليست الضريبة المتفق عليها بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي تُعرف بضريبة القيمة المضافة المنصوص على تطبيقها قريباً، بمعنى أن الأسعار ستزيد، ولن تتوقف عند هذا الحد. وعلى فرض أن رفع الأسعار كان بهدف الحد من التدخين، فإن الإحصاءات تدل على أن زيادة السعر لا تشكِّل أحد الحلول كما يظنه بعضهم، إن لم تكن من عوامل زيادة المدخنين، ففي خلال العامين الماضيين، استوردت المملكة نحو 38.7 ألف طن من التبغ، بقيمة 3.9 بليون ريال، بنسبة نمو 9%، مقارنة بقيمة ما تم استيراده في العام الذي سبقه البالغة نحو 3.6 بليون ريال، بوزن 38.5 ألف طن، ما يعني أن رفع الأسعار لم يخدم مكافحي التدخين، ولا راغبي الإقلاع عنه. ولاشك في أن في رفع السعر مصلحة لجهات أخرى، فلو كان في رفعه ضرر عليها لما أقرته، والملاحظ في مجتمعنا أنه كلما ارتفع سعر سلعةٍ ما، زاد الطلب عليها! أذكر أن أول تجربة لي مع الدخان، كانت برفقة أصدقاء الطفولة، ولحسن الحظ كانت المحاولة الأولى فاشلة، حيث بدأت «أتتعتع»، وصدري يضيق عليَّ، شكَّل الموقف بالنسبة إليَّ صدمة، حيث إنني «لم أثبت رجولتي»، حسب الاعتقاد السائد حينها، أمام الشلة، خاصة أنني في وقتها كنت بمنزلة الزعيم، الآمر الناهي، تكررت المحاولة مرة أخرى في مكان منزوٍ، حيث لا يرانا أحد، بالتأكيد مع نفس الشلة، ولحسن الحظ لم «تسلك» معي مرة أخرى، حينها أدركت أنني لست لها، وأنها لا تصلح لي، وتعاهدنا على الفراق إلى أجلٍ غير معلوم، ولعلها لو سلكت معي من أول مرة لسلكت معها. إن ما يجب أن يدركه كل مربٍّ وناشط ومكافح للتدخين، أنه بالنسبة إلينا حينما كنا أطفالاً في وقتها لم يكن هناك شيء ذو أهمية، أو قيمة بالنسبة إلينا، فلم تكن المادة تمثل لنا أي عائق، ولم يكن الخوف من أن يرانا أحد الأقارب بالشيء الكبير، بل لم تكن صحتنا، وهي أغلى ما نملك، لها أي اعتبار، فقد كانت مجرد غرائز، وشهوات، نسعى إلى إيجادها والاستمتاع بها، كانت التجربة نتيجة المخالطة والمسايرة لمَنْ حولنا، لم نكن نرى فيها ألماً، أو أملاً، ولكن كانت أقرب ما تكون إلى العبث، لم نكن ندري إلى أين ننتهي، فبعضنا، عافاه الله، يستمر عليها إلى الآن، وبعضنا الآخر لم «تسلك» معه. من ثم تتبدل المبادئ والأفكار ليصبح التدخين بالنسبة إلى الكبير بمنزلة المتنفس في حالات التوتر والغضب، وتعكر المزاج، وضيق العيش، وسوء الحال كالشماعة يلجأ إليها متى شاء، لذا إذا أردنا فعلاً أن نجعل المدخن يقلع عن التدخين فلابد من أن نُوجد له شماعة أخرى، لكن ما عساها أن تكون؟