عند حيادك ترتكب خيانة، عند صمتك تؤيد ما يحدث، فيصبح خيانة أيضاً، كل ذلك يحدث عندما يكون الوطن هو المستهدف، فالوطن كما يحتاج إلى السلاح، يحتاج إلى حروف مفعمة بالحب، والتعبير عن الولاء له، حتى الذين خانوا أوطانهم، وقفوا أيضاً ذات يوم في مرحلة طفولتهم في طوابير الصباح المدرسية، وأنشدوا النشيد الوطني بحماسة، ثم كبروا وجحدوا، ويا ليتهم لم يكبروا. لا تبرير لخيانة المبادئ، لا تبرير لخيانة الوطن. كل مَنْ خان وطنه ليس رجلاً ولا حتى «شبه رجل». حب الوطن من الإيمان ولاشك في ذلك، ومَنْ فقد ذلك الإيمان، ويدعي الإسلام، يعاني من صعوبة كبيرة في اكتشاف معنى «الله الرحيم»، هذا المعنى، الذي لا يُكشف إلا في أوقات السلام، والأمن، والمحبة، والهدوء، والرحمة. المأساة المضحكة أنهم يرون في خيانة الوطن نصرة للدين. خيانة تلك الفئة لم تعد تخفى إلا على مَنْ أعمى الله بصره وبصيرته، فلو كانوا على حق لما كان للغدر مكان في سلوكهم، ولا كانت خيانة العهود من علاماتهم، لكنهم خانوا الله قبل الوطن، فأي دين يتبعونه؟! أفعالهم خيانة لحرمة الإسلام. موقف حصل مع الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش حيث وصل يوماً إلى صلاة الجمعة متأخراً، وكان قد اعتاد الصلاة في الصفوف الأمامية، ففتح له الناس الطريق إلى أن وصل إلى الصف الأول، فاستدار للمصلين بغضب، وقال: «هكذا تصنعون طواغيتكم». عدد قليل هم الذين يخونون وطنهم، وهذا لا يبرر للبقية الرضوخ لهم ومشاركتهم في خيانة الوطن، والاقتناع التام بصحة أفعالهم، هؤلاء باختصار ينطبق عليهم قول الله تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ». بل أنتم خائنون مكشوفون، وقد قيل عنكم في كتاب الله عز وجل: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ».