لم أجد في نفسي شيئاً «يربط على القلب» في أوقات عصيبة، وساعات عسيرة بعد رحمة الله سوى الرضا. لم يكن الرضا يوماً إلا قناعةً بالحال مهما كان، يفيض عن إيمان، يتوسد القلب توسداً حقيقياً دائماً، كما أنه يقين تام بالقدر المناسب والملائم للإنسان وحده دون غيره، لا تؤثر فيه مكدرات خارجية، أو داخلية، ولا يعكر صفوه أي شيء. ويتمثل الرضا في كافة تفاصيل حياة الإنسان: في شكله، ومظهره، وحياته، ووالديه، وأشقائه، ودراسته، وعمله… فلا يشعر أنه يريد أن يستبدل أحد تلك الأمور بآخر مما يملكه الناس، ولا يخالطه شعور بالحسرة والندامة على أنه لا يملك ما يملكه غيره، سواء تلك الأشياء التي لا يد له في تغييرها مثل: الأهل، والشكل، أو حتى تلك الأشياء المتغيرة مثل: العمل، والوضع المالي. حينما نسمع كلمة الرضا ربما نتذكر الأوقات الصعبة، والقاسية فقط، ولكن الرضا يرتبط أيضاً باللحظات السعيدة، وإن كانت بسيطة، فقد يعيش الإنسان لحظات في قمة السعادة، وترتسم على ملامح وجهه ضحكات، وبسمات مشرقة حينما يكون برفقة حبيب، أو قريب، أو مع عدد من الأصدقاء في أي مكان دون ترتيب، أو تجمل وتكلف، فتكون تلك اللحظات هي الأجمل، لأن التكلف لا يصنع لحظات سعيدة، وإنما الرضا بها، والشعور الداخلي بأنها من أسعد اللحظات على الإطلاق، وقد يرى شخص أنه في سعادة وسرور وعافية، ولكنه يبصر أحدهم في إحدى الدول، يتجول في أنحائها، وبين تلالها، وبحارها، وبساتينها، فيتمنى أن يكون في مكانه، فيفقد لذة اللحظة التي يعيشها، لذلك عليه أن يستشعر قيمة اللحظة السعيدة التي سخَّرها الله سبحانه وتعالى له، وأن يرضى بها، ويعيشها بكل تفاصيلها الجميلة. ولا يتعارض الرضا مع التطوير، والحث على العمل، والنجاح، والتقدم، فليس كونه راضياً أن يكف عن التغيير للأفضل، والتحسين، والبحث عن سبل الاستزادة من السعادة، دون أن يفتر من فشل في تلك الرحلة.