كشف دبلوماسيون عن نيَّة مجلس الأمن الدولي عقد جلسةٍ اليوم الجمعة لبحث الأزمة السورية، في وقتٍ ربطت المعارضةُ استئناف مفاوضات جنيف التي توقَّفت أمس الأول بضغطٍ أمريكي على حلفاء بشار الأسد. وأكد العضو في الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة، منذر ماخوس، الحاجة إلى الضغط الأمريكي على روسيا لتجنب فشل جولة التفاوض المقبلة المقررة في ال 25 من فبراير الجاري. وكان المبعوث والوسيط الأممي، ستافان دي ميستورا، عزا «التوقف المؤقت» إلى «عملٍ ما زال يتعيَّن القيام به». ودافع، في تصريحاتٍ الأربعاء، عن قراره قائلاً «التأجيل كان صحيحاً». ووفقاً له؛ ينبغي إدخال تغييرٍ على المعادلة «بحيث يقوم توازن بين الوفدين كي يقدِّم كل وفدٍ تنازلات». وتربط مصادر بين تأجيل اجتماعات جنيف وتصاعد العمليات العسكرية لقوات الأسد مؤخَّراً خصوصاً في حلب «شمال سوريا» تحت غطاءٍ من قصفٍ جوي. وكانت «العليا للمفاوضات» التي سمَّت أعضاء وفد المعارضة اشترطت ابتداءً الإفراج عن المعتقلين ورفع الحصار عن المدن ووقف القصف الجوي. و«بالطبع؛ لن يرجع وفدنا إلى سويسرا ما لم نرَ أي تغييرات على الأرض على مستوى الإجراءات الإنسانية المطلوبة»، بحسب ماخوس. في المقابل؛ غادر وفد النظام سويسرا صباح أمس، على ما أفاد مصدر مقرب. وتستهدف خطة دي ميستورا بدء محادثات على مدى 6 أشهر تسعى إلى وقف موسع لإطلاق النار يستثني تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، على أن تليه مشاورات لبدء عملية سياسية تنتهي بانتخابات ودستور جديد. وتحاول الخطة إنهاء نزاعٍ بدأ في مارس 2011 بمظاهراتٍ سلمية قمعتها الحكومة بعنف، فتطورت إلى مواجهات مسلحة خلَّفت أكثر من 260 ألف قتيل ونحو 10 ملايين مشرَّد بين الداخل والخارج. ودعا وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، موسكو وحكومة دمشق إلى «وقف الغارات وحصار المدن بهدف استئناف المحادثات». واعتبر، في تصريحاتٍ من لندن التي استضافت أمس مؤتمراً لمانحي الشعب السوري، أن «الهجوم الوحشي الذي يشنُّه نظام الأسد بدعمٍ من روسيا ينسف المحادثات». وعبَّر عن موقف بلاده قائلاً «نطالب باحترام القانون الإنساني الدولي، ورفع كل الحصارات الذي تُجوِّع السكان، ووقف القصف»، علماً أنه التقى صباح الخميس نظيريه الأمريكي والبريطاني. واعتبر فابيوس المطالبات التي ذكرها «شرطاً لاستئناف المفاوضات التي عُلِّقَت في جنيف». واستدرك «بعد ذلك؛ يمكن استئناف المحادثات والتوصل إلى حل سياسي»، منتقداً دعم طهران للأسد الذي سمَّاه «مجرماً للبشرية». ووفقاً لفابيوس؛ فإنه «إذا تمَّت معالجة النتائج دون الأسباب؛ فإننا سنعقد مزيداً من الاجتماعات في العام المقبل لدعم مزيدٍ من المدنيين». وندَّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، بدوره ب «جرائم حرب وتطهير عرقي في سوريا». ورأى من لندن أن «الذين يساعدون الأسد مذنبون بجرائم الحرب نفسها». وصرَّحت المستشارة الألمانية، على هامش مؤتمر المانحين، بأن كل الأطراف المعنيَّة مسؤولة عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. «لكن نظام الأسد هو المسؤول الأول عن ذلك»، بحسبها. وطالبت المستشارة الألمانية بإقرار هدنةٍ لتحسين الموقف الإنساني في هذه المرحلة. وتعهدت، في بداية المؤتمر، ب «تقديم 2.3 مليار يورو (2.57 مليار دولار) في صورة مساعداتٍ للسوريين بحلول عام 2018 بينها 1.1 مليار يورو هذا العام». أما مجلس الأمن الدولي فيعقد اليوم جلسة مشاوراتٍ مع دي ميستورا، بحسب ما ذكر دبلوماسيون في الأممالمتحدة. وشرح الدبلوماسيون أن «دي ميستورا سيقدم تقريراً إلى سفراء الدول ال 15 في المجلس عن الظروف التي دفعت إلى تعليق المحادثات». وستُعقَد الجلسة التي ستكون مغلقة بناءً على طلب فنزويلا التي ترأس المجلس هذا الشهر. وإضافةً إلى حديث فرنسا عن دور روسي في عرقلة التفاوض؛ تعبِّر الولاياتالمتحدة عن موقف مشابه. والدول الثلاث من بين 5 أعضاء دائمين في مجلس الأمن. وتحدثت وزارة الدفاع في موسكو أمس عن «أسبابٍ جدية» تحمل على الاعتقاد بإعداد أنقرة ل «تدخل عسكري» في سوريا، مستدلةً بحشودٍ ومعدات على الحدود ومنع طائرة استطلاع حربية روسية من التحليق فوق الأراضي التركية. وجاء في بيانٍ للناطق باسم الوزارة، الجنرال إيغور كوناشينكوف، أن «لدينا أسباباً جدية للاشتباه بأن تركيا في مرحلة إعداد مكثفة لعملية عسكرية». وأبلغ كوناشينكوف عن تسجيل جيش بلاده عدداً متزايداً من المؤشرات التي تفيد بإعداد القوات المسلحة التركية سرَّاً لتنفيذ عمليات على الأراضي السورية. ولفت إلى «وجود حشود عسكرية على نقاط عدة من الحدود بين البلدين» و»تجهيزات هندسية تُستخدَم في التحضير لتدخل عسكري» إضافةً إلى «جنود ومعدات عسكرية». ووفقاً للبيان؛ يُستخدَم هذا النوع من الاستعدادات من أجل نقل الجنود وإجلائهم و»السماح بتحركات سريعة للأرتال العسكرية المزودة بأسلحة وذخيرة في مناطق الحرب». لكن وزارة الخارجية التركية رفضت الإدلاء بأي تعليق على بيان كوناشينكوف. وكانت أنقرة أعلنت في وقت سابق أمس أنها منعت «لأسباب أمنية» رحلة استطلاع روسية «كانت مقررة في الفترة بين 1 و5 فبراير الجاري» من التحليق في الأجواء التركية. وعزت المنع إلى عدم توصل البلدين إلى التفاهم على مسار الرحلة. وتقول موسكو إن هذه الرحلة كانت تندرج في إطار معاهدة «الأجواء المفتوحة» التي وقعت الحكومتان عليها قبل 10 سنوات. وتنص المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ عام 2002 ووقعتها 30 دولة على تحليق طائرات الدول الموقِّعة في أجواء الدول الأخرى من أجل مراقبة المنشآت العسكرية والتسلح «حفاظاً على الثقة المتبادلة». وطبقاً لكوناشينكوف؛ كانت الرحلة التي مُنِعَت تعتزم التحليق فوق المناطق التركية الحدودية مع سوريا وفوق المطارات التي تتركز فيها طائرات حلف شمال الأطلسي. وأسقطت تركيا مقاتلة روسية في ال 24 من نوفمبر الماضي قرب الحدود مع سوريا ما أحدث أزمة دبلوماسية. وأوقفت موسكو على الإثر معاملات اقتصادية مع أنقرة. من جانبها؛ ربطت وزارة الخارجية التركية بين السماح بتنفيذ طلعات المراقبة الروسية و»اتفاق الجانبين على خطة المهمة»، مبيِّنة أن روسيا فرضت بدورها قيوداً على الطلعات التركية فوق أراضيها. إلى ذلك؛ أفصح رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، خلال مؤتمر المانحين عن جمع أكثر من 10 مليارات دولار لتوفير مساعدات إنسانية للسوريين. وأكد للصحفيين «المؤتمر شهد جمع المبلغ الأضخم في يوم واحد من أجل مواجهة أزمة إنسانية». وشدَّد «هذه الإنجازات ليست حلاً للأزمة، ما زلنا بحاجة إلى انتقال سياسي»، متداركاً «لكن مع التعهدات المقطوعة؛ تبدو رسالتنا إلى شعب سوريا والمنطقة واضحة: سنقف إلى جانبكم وسندعمكم قدر ما تحتاجون». وحاول المجتمعون في لندن، وبينهم أحمد داود أوغلو، توفير تمويل لاحتياجات نحو 6 ملايين نازح داخل سوريا وأكثر من 4 ملايين لاجئ في دول أخرى. وفي تصريحاتٍ تُظهِر مدى تدهور الوضع على الأرض؛ لاحظ داود أوغلو أن عشرات آلاف من السوريين في طريقهم إلى بلاده «هرباً من القصف الجوي على مدينة حلب». وقال للمجتمعين «ما بين 60 و70 ألف شخص في مخيماتٍ في شمال حلب يتحركون باتجاه بلادنا». وبيَّن أنه لا يفكر الآن في لندن «بل في الوضع على حدودنا»، متسائلاً عن «كيفية توطين هؤلاء القادمين الجدد». وقد يرتفع العدد، بحسبه، إلى «300 ألف شخص يعيشون في حلب وهم على استعداد للتحرك صوب أراضينا». وتستضيف تركيا بالفعل أكثر من 2.5 مليون لاجئ سوري، كما يتحمل الأردن ولبنان العبء الأكبر لفرار السوريين من بلادهم. وأمام المشاركين في المؤتمر؛ اعتبر العاهل الأردني، الملك عبدالله، أن بلاده بلغت أقصى قدرة على التحمل. وقال «بالنظر في عيون شعبي ورؤية المعاناة التي يشعر بها؛ يجب أن أقول لكم: لقد بلغنا أقصى قدرة». بدوره؛ تحدث وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عن «اضطرار الناس إلى أكل العشب وقتل الحيوانات الضالة واستخدامها كغذاء للبقاء على قيد الحياة، بالتالي فإن هذا الوضع يجب أن يوقظ ضمائر كل الشعوب المتحضرة»، مشدِّداً «علينا جميعاً مسؤولية علاج ذلك». ولدى وصوله إلى لندن؛ أكد كيري مسؤولية موسكو عن الوفاء بالتزاماتها للأمم المتحدة «بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووقف الهجمات على المدنيين». وأفصح عن تحدثه مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، «حيث اتفقنا على الحاجة لبحث كيفية التوصل إلى وقف لإطلاق النار». وفي تصريحاتٍ له من العاصمة البريطانية؛ اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن «الوضع لا يمكن أن يستمر»، وتابع «لا يمكن الاستمرار على هذا الحال، لا يوجد حل عسكري، الحوار السياسي وحده هو الذي يمكن أن ينقذ الشعب السوري من معاناته غير المحتملة». من جانبهم؛ عبَّر بعض نشطاء المجتمع المدني السوريين عن قلقهم من تركيز الدول المانحة على اللاجئين باعتبارهم أساس الأزمة على حساب بذل جهود كافية لمساعدة السكان الموجودين داخل سوريا. يأتي ذلك فيما قرع محتجون الطبول وهتفوا بشعاراتٍ مناهضةٍ لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الذي شارك في اجتماع الدول المانحة. وانتقد المتظاهرون طهران لتنفيذها أحكام إعدام وارتكابها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، وقالوا إنها لا يجب أن تكون مدعوة في مثل هذه المحادثات لأنها متورطة في القتال في سوريا. وذكَّر عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، حسين عبديني، ب «تحمل ظريف وحكومة الرئيس حسن روحاني والنظام في طهران مسؤولية ذبح الشعب السوري». وبالنسبة لعبديني الذي شارك في المظاهرات؛ فإن «دعوة ظريف هنا لتمثيل النظام الذي أرسل أكثر من 5 آلاف فرد من الحرس الثوري وعشرات آلاف من المرتزقة لإبقاء الأسد في السلطة وذبح 300 ألف سوري؛ أمرٌ مثيرٌ للغضب الشديد». ولم تعد طهران تخفي وجودها العسكري في الأراضي السورية. وأبلغت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية أمس عن مقتل ضابط كبير من الحرس الثوري في هجومٍ في منطقة حلب نسبته إلى «داعش». ونقلت الوكالة عن مصدرٍ لم يحدِّد تاريخ مقتل الضابط أن «العميد محمد باكبور، وهو قائد القوة البرية التابعة للحرس الثوري، نعى العميد محسن قاجاريان، قائد لواء الإمام الرضا ال21 المدرع» الذي قُتِلَ خلال مهمة استشارية في سوريا. ونشرت وزارة العدل في طهران نبأ مقتل قاجاريان على موقعها الإلكتروني. وكانت «فارس» أعلنت في وقت سابق مقتل 6 من المتطوعين الإيرانيين خلال الأيام الأخيرة في حلب. ومنذ أكتوبر الماضي؛ قُتِلَ عددٌ من ضباط الحرس الثوري في الأراضي السورية؛ بينهم القيادي في «جيش النخبة»، الجنرال حسين همداني. ووفقاً لتعداد «فرانس برس»؛ قُتِلَ من العسكريين الإيرانيين والمتطوعين الأفغان والعراقيين الموالين لهم نحو 100 عسكري في سوريا منذ مطلع أكتوبر. ويتولى تنسيق مهمات هؤلاء العسكريين المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني.