عندما يصل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى دمشق بعد يومين، سيختبر نتائج «الاستثمار السياسي» الذي وضعه منذ تسلمه منصبه ومدى قبول المسؤولين السوريين اقتراحه «تجميد» الصراع في البلاد بدءاً من حلب، انطلاقاً من خطة تقوم على «خفض العنف وتحسين وصول المساعدات الإنسانية وزرع بذور عملية سياسية». ووفق المعلومات المتوافرة ل «الحياة»، فإن صراعاً ديبلوماسياً وعسكرياً يستعر خفية بين معسكري النظام وحلفائه من جهة، والمعارضة وحلفائها من جهة ثانية على «معركة حلب»، لاعتقاد الطرفين أن مصير حلب سيلعب دوراً حاسماً في مستقبل الصراع والتسوية في سورية. وقالت مصادر متطابقة إن «صراعاً تركياً- إيرانياً صلباً وصافياً يشتد حول مستقبل حلب» ثانية مدن سورية، بالتزامن مع مساعي النظام إلى تعزيز سيطرته على قلب دمشق وتوسيعها إلى ضواحي العاصمة. وأفادت المصادر أن إيران انخرطت في شكل مباشر عبر نخبة من «الحرس الثوري» في معارك مخيم حندرات في ريف حلب لتفتح الطريق للقوات النظامية، ما يسمح لها ب «الانغماس» بين تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ومقاتلي المعارضة السورية عبر السيطرة على ممر بينهما ليكون النظام في «جبهة الحرب على الإرهاب». ويهدف النظام وحلفاؤه عملياً إلى نسخ «تجربة حمص» عبر فرض حصار على المدينة وقطع خطوط الإمداد عن مقاتلي المعارضة وصولاً إلى فرض «تسوية» وفق منهج «الجوع أو الركوع» الذي اتبع في مناطق مختلفة في البلاد بما فيها حمص القديمة. وباتت حلب مقسّمة منذ هجوم للمعارضة في صيف 2012 بين مناطق تسيطر عليها القوات النظامية في الغرب وأخرى تسيطر عليها المعارضة في الشرق ملامسة مناطق نفوذ «داعش». وغادر مليون من سكان المدينة، فيما لا يزال 300 ألف فيها. وسعت أنقرةوباريس إلى اعتبار مستقبل حلب «المفتاح الرئيسي» للمعركة في سورية واقترحتا سلّة من الأمور، بينها تقديم دعم عسكري إضافي إلى المعارضة وتنفيذ القرار الدولي الخاص بتقديم المساعدات الإنسانية العابرة للحدود ودعم المجالس المحلية والبنية التحتية، وذلك تحت عنوان «فعل كل شيء للحيلولة دون سقوط حلب تحت سيطرة النظام السوري أو تنظيم داعش». وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس: «لا نستطيع أن نقبل تجزئة سورية ولا ترك 300 ألف من أبناء حلب لمصير رهيب. لهذا وجب علينا، مع شركائنا في التحالف الدولي، تركيز جهودنا على حلب، بغية تحقيق هدفين واضحين: تعزيز مساندتنا المعارضة السورية المعتدلة، وحماية السكان المدنيين من الجرائم التي يرتكبها التوأمان: النظام وداعش». وقال مسؤول غربي ل «الحياة» إن مصير حلب سيكون «محورياً» في الاجتماع المقبل ل «النواة الصلبة» التي تضم 11 دولة من «أصدقاء سورية» في لندن في العاشر من الشهر الجاري، ذلك بعد تلمّس الدول المشاركة نتائج محادثات دي ميستورا في العاصمة السورية. وخلال جولتيه الإقليميتين، كان دي ميستورا في «مزاج الاستماع والتعلم» بين المسؤولين المعبّرين عن أجندات متناقضة. هو وافق النظام السوري على أن «الأولوية هي لمحاربة الإرهاب» وأيد موسكو وطهران على أن الظروف الراهنة مختلفة عن تلك التي صدر فيها بيان جنيف الأول في منتصف 2012، بالتالي فإن مهمة دي ميستورا تقتصر على ترجمة التوازن العسكري في حل سياسي لصالح النظام، إضافة إلى طي المبادرات السياسية السابقة، بما فيها خطة النقاط الأربع الإيرانية، التي تضمنت «تحديدَ» صلاحيات الرئيس بشار الأسد. لكن في الوقت نفسه، استمع المبعوث الدولي إلى عناصر القلق التركية المتعلقة بعبء اللاجئين وضرورة توفير منطقة آمنة لهم وتشكيك بأسباب المبالغة في التركيز على عين العرب (كوباني) الكردية، وإلى تأكيد باريس ضرورة «تغيير توازن القوى على الأرض»، خصوصاً ملاحظته أن واشنطن ليست في مزاج سياسي، بل عسكري، وأنها حالياً تركّز على محاربة «داعش»، إضافة إلى قناعة هذه الأطراف أن إيران وروسيا تنزفان مالياً وعسكرياً وسمعةً في «المستنقع السوري». عليه، قدّم دي ميستورا إلى مجلس الأمن «خطة عمل» لا تتضمن الكثير سياسياً، وقامت على «تجميد» الصراع وخفض مستوى العنف. ووفق المصادر، فإن مقاربة دي ميستورا هي نقيض مقاربة سلفه الأخضر الإبراهيمي الذي كان يركّز على خيار من «فوق الى تحت» وتنفيذ بيان جنيف الأول وتشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة بين ممثلي النظام والمعارضة على أساس القبول المتبادل. لكن دي ميستورا بحث عن «مدخل» إلى الأزمة السورية من «تحت إلى فوق»، ويرى ذلك في اتفاقات المصالحة في البلاد، لتقوم بخطوات صغيرة تؤدي إلى خفض مستوى العنف من دون أي مظلة سياسية حالياً، بل الاكتفاء ب «زرع بذور الحل السياسي». وهو يرى أن حلب المقسمة بين القوات النظامية والمعارضة «مرشحة جيدة» لتجميد النزاع. ومع قناعته بأنها «نقطة في بحر»، فإنه يعتقد أن «نقاطاً عدة من الممكن أن تشكل بحيرة، والبحيرة يمكن أن تصبح بحراً». المؤشرات القادمة من دمشق تفيد بأن التعامل معه لن يكون مختلفاً عن الشكوك بالإبراهيمي، الذي كان وُصف من الإعلام الرسمي بأنه «يدعم الإرهاب»، اذ كتبت صحيفة «الوطن» القريبة من النظام قبل يومين أن دي ميستورا «بدا ضائعاً في تصريحاته التي ربما خضعت لضغوطات دولية تتحدث منذ أسابيع عن إقامة مناطق عازلة أو آمنة» شمال سورية. ورأت أن «تصريحاته الجديدة تحدث فيها عن مصالحات تختلف كلياً عما يحدث على الأرض، فالمصالحة تعني تسليم السلاح وعودة المقاتلين السوريين حصراً إلى كنف الدولة، وهناك تجارب عدة في سورية على دي ميستورا الاطلاع عليها». ويختلف هذا عن «الترحيب» الذي عبر عنه السفير السوري في نيويورك بشار الجعفري. ولوحظ أن عين العرب (كوباني) الكردية كانت أول مدينة سورية تحظى باهتمام المبعوث الدولي في أول إطلالة إعلامية له، الأمر الذي قوبل باحتجاجات ديبلوماسية من أنقرةودمشق والمعارضة السورية، الأمر الذي وضع اقتراحه «سلسلة إجراءات منها إعادة إحياء إدارات الحكم المحلية واجراءات اللامركزية» موضع التشكيك، خصوصاً أنه بالكاد ذكر بيان جنيف الأول في مداخلته في مجلس الأمن، وبناء على طلب روسي وليس من واشنطن، التي قدمت له كل الدعم ويقوم بينهما تنسيق شبه يومي في كل اقتراح، من كوباني إلى هدنة حلب. وكان دي ميستورا تحدث في أكثر من مناسبة عن ضرورة الإفادة من تجربتي لبنان والعراق ل «جهة المشاركة الواسعة من كل أطياف المجتمع في العملية السياسية مع التركيز على قوى الاعتدال» و «العمل على إشراك السنّة ومنع عزل أي من الأطراف» والقول ان حكم الأكثرية «لا يجب أن يلغي صوت الأقليات»، وذلك في ضوء تجربته الشخصية في لبنان والعراق، تحت قبعة الأممالمتحدة.