يحكى أن أبا ليلى المهلهل كان في إمكانه حسم المعركة مبكراً، والثأر لمقتل أخيه كليب من جساس، لكنه أراد لحاجة في نفسه إطالة أمد الصراع، ليصل مداه إلى آخر مكان يفر إليه جساس. هكذا أرى المشهد المحلي المتعلق بالمرأة السعودية، ومقاربة المثقفين له من كافة الأطياف، حالة من اللاحسم، وشغف باستعادة الرايات مع كل حدث، وعند كل منعطف. هذا الأداء الثقافي مريض، ويحتاج إلى تشخيص دقيق للخروج بخطة علاجية دون أخطاء طبية! ويمكن تقييم مجمل هذه الحالة الثقافية فيما يلي من المقال على شكل نقاط، تشير إلى الفكرة، وتحاول الالتئام في وحدة موضوعية: – يقول الله تعالى: «ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى». لا في الدنيا، ولا في الآخرة، فلا يمكن تصور الشقاء والعنت مع أحكام الله، ومنها ما يتعلق بالمرأة، إذ الخلل حتماً في البشر الذين لم يتقنوا التعاطي مع مراد الله. – هناك حالة توتر واستقطاب شديدين، تقوده فئات من الطرفين، المحافظ والليبرالي، وبغض النظر عن صحة هذا التقسيم، لكنه واقع ثقافي، ويعود هذا التوتر إلى حالة عدم الرضا عن الواقع، أو عن المرجعية. عندما قبل رجل امرأة في العهد النبوي، نزل قول الله: «إن الحسنات يذهبن السيئات». لم يضج المجتمع بالشك، والتعميم، والمحاكمة. لقد كان مطمئناً إلى ثقافته، راضياً بالمرجعية الإلهية، وأعطى الخطأ قدره. – يمارس بعض الليبراليين، ومنهم رموز فكرية مع الأسف، عبثاً كتابياً، واستهانة بعقل المتلقي، تحقيقاً لرغبة نفسية بعيدة عن الموضوعية، من ذلك مثلاً: عرض صور لشباب وبنات مختلطين، «منهن متبرجات»، ثم القول: هكذا كنا.. انظروا إلى البراءة، وسلامة القلب، هل حصل شيء؟ وأنا أسأل: منذ متى كان الحكم على القلوب بالصور؟ وهل محاكمة النيات مطلوبة أصلاً؟ وما هو الشيء الذي لم يحصل؟ – لم يستطع المحافظون طرح تصور ثقافي وتربوي مؤثر ينقل الحجاب، بصفته منظومة قيمية ثقافية لا فقهية فقط، من العادات إلى الدين والهوية. هناك تطور ملموس عند الجميع في فكرة الحقوق الشرعية العادلة للمرأة، ومقاومة طوفان العادات الخاطئة، لكنها تظل بلا حراسة قانونية كافية، أما الحجاب، بصفته هوية إسلامية، فالأمر يحتاج إلى كثير من المعالجة خاصة لدى اليافعات. – يميل الإسلام إلى الأسرة وصلاحها عبر دور المرأة، الزوجة والأم، لكنه لا يمنع المرأة من الخروج إلى المشهد العام لتكون فاعلة في اتجاه ما، والسؤال: لماذا يصبح خروج المرأة السعودية إلى هذا المشهد العام أزمة ومأزقاً؟! الإجابة تكمن في «التمثيل»، فعندما تمثل المرأة نفسها، فهذا شأنها واختيارها، أما عندما تمثل الهوية السعودية، فهذا محور الإشكال والتحرير. هنا يطالب المحافظ بالامتثال إلى الإسلام، هوية الوطن، ممثلاً في الاجتهاد الفقهي بصورتَي الحجاب المختلف حوله ليصبح الاختلاف تنوعاً ورحمة، وهنا يصبح الليبرالي السعودي «موقعا» عن رب العالمين، ويدعو إلى التحول الفقهي من صورة إلى أخرى قولاً، فيما الممارسة والتعزيز لتحول ثقافي من الحجاب إلى التبرج، وربما قام بمفاضلات ثقافية، واستدعاء قيم الغرب في «دربكة» فكرية، تعكس الأزمة والتأزيم! – الأسئلة هنا هي: هل يمكن فك الاشتباك في أزمة التمثيل السابقة؟ كيف تخدمنا في تجنب الفصام التربوي عند ملاحظة الخلل بين التعليم الرسمي والإعلام الرسمي؟ هل استمرأت النخب الصراع وتركت الحوار لأن الحوار يقتضي مرجعية يسلِّم لها الجميع؟ هل الإشكال أعمق من شكل ظهور المرأة واختلاطها المؤسسي لنسأل عن محاور بعيدة عن استصحاب فكرة «الفتنة» مثل الحريات، ودور الدولة، ومجال مؤسسة الفتوى؟ لماذا لا يكون شكل المرأة المسلمة في مجتمعها قانونياً مثل أحوالها الشخصية، وحقوقها الشرعية؟ هل يجوز ذلك أم إن الأمر متروك لمؤسسات التربية والوعظ والتذكير في هذا الجانب، ليصبح المظهر العام مجالاً لتأثر ذاتي لا لتأثير خارجي؟ هل عجزنا عن تقديم نموذج عملي اجتماعي ينسجم مع القيمة الروحية للوطن؟ مَنْ يحسم ويجيب؟ – ختاماً أقول: إن ما يحدث في الساحة الثقافية بعيد عن ملامسة واقع المرأة السعودية، ولا يعطيها حقها من التقدير، بل ولا يليق بقيمة الوطن، وتحولاته المعاصرة، ويُضعف استقرارنا الثقافي، وقوتنا الناعمة، لكن المسؤولية لا تقع على المثقف وحده!