نجح مخرج مباراة كأس السوبر -بقصد أو دون قصد- في تحويل المناسبة من مشهد رياضي إلى آخر ثقافي عبر تركيزه الكاميرا على السيدات الحاضرات، مما أثار فورة من النقاش في المجالس ومواقع التواصل وبعض المنابر الإعلامية. يمكن القول إن ذات الجدال قد حصل سابقاً في مناسبات مشابهة، لكن الأمر هنا اختلف كون الحدث صار في بلد غير إسلامي مما يضفي على النقاش بعداً جديداً. أتذكر أن الشيخ راشد الغنوشي -وقاله آخرون- قد عاب تلميحاً لا تصريحاً على السعودية تخلي بعض النساء السعوديات عن الحجاب في الخارج، وقد طرح ذلك في حديثه عن الحرية، فهل الأمر معيب حقاً؟ الإجابة أراها (لا) إذا قمنا بتفكيك الأمر تحت فكرة (التمثيل)، وإذا استوعبنا المسافة بين (الهيمنة) و(السيطرة) في سياق الحرية وكلتا اللفظتين وردت في القرآن الكريم. لا شك أن في كل مجتمع كارهين لما أنزل الله وهذا ظاهر منذ فجر النبوة، وفي كل مجتمع من يصاب بارتباك في طريقة التفكير بسبب ردود الأفعال أو نتيجة هزيمة نفسية أو لاستبداد من نوع ما، فأين نضع نساء السوبر في كل هذه المعمعة؟ أعود للتمثيل فأقول إن الحجاب أمر واضح جداً في الإسلام لا يحتمل تأويلاً، هذا مع الإقرار بالاختلاف الفقهي الذي يحتمل كشف الوجه وتغطيته وهذا من السعة المميزة للفقه الإسلامي، وليس منه ما حصل من مخالفة صريحة للحجاب، فمن كن يمثلن هؤلاء النسوة؟ يمكن القول بوجود ثلاثة أنواع من التمثيل، الأول تمثيل سياسي سيادي لدولة تقوم على القرآن والسنة، وهنا لا يصح لامرأة تمثل هذه الدولة كعاملة في قطاع صحي أو في وزارة الخارجية أو تمثل البلد في مناسبة دولية إلا الالتزام بالحجاب حتى لو كانت غير مقتنعة به. الثاني وهو التمثيل الشخصي وهو ما يحصل عند خروج بعض السعوديات في سياحة خارجية، وهنا نحيل إلى الخطاب التربوي والتعليمي والوعظي ونراجع فشله في التأثير للخروج بحالة طوعية متسقة مع ثقافتها مؤمنة بمبادئها. أما التمثيل الأخير فهو الاجتماعي وهو خليط من عادات وعوامل اجتماعية ودينية، وهو متروك لقوة المجتمع وحيويته وقدرته على النقد والفرز، وهو ما يصاحبه اشتطاط في التوصيف يصل إلى القدح أحياناً، وهذا ما يحصل غالباً في هذه الظروف. يمكن القول إن عوامل عدة ساهمت في هذا الإخراج السيئ للإشكال محل التناول. أولها الخطاب العام بكل روافده لم ينجح بشكل كاف لجعل الحجاب حالة (ثقافية) لا (فقهية) فقط، مما أورث هوية ضعيفة مرتبكة للمرأة السعودية بالمجمل. والأمر الثاني هو الاستبداد الاجتماعي وانتهاك حقوق المرأة بسبب بعض العادات والتطبيق السيئ للأنظمة، وأنا كطبيب قريب من أحوال المرأة السعودية لطبيعة العمل فإني أشهد على هذا، لكنني أشهد أيضاً أن التبرج ليس حلاً! العامل الثالث هو عنصر المؤامرة والنشاط النسوي العالمي المتغلب ثقافياً والمدعوم من فئات من الداخل، وهذا يمكن مواجهته بالإحالة إلى العامل الأول وهو جعل الحجاب منظومة ثقافية متعالية في الحس العام وليس حكماً فقط، وهذا يقتضي تصحيح الأخطاء المنهجية، وإعادة النظر في كثير من المقاربات وأهمها عنصر (التوتر) الذي يسيطر على كل النخب والأطياف حين الحديث عن المرأة. الأمر الأخير مرتبط بالرجل وطريقة تربيته من المراهقة وعلاقته بالمرأة، فهناك كثير من الأخطاء التربوية التي نرجو تداركها، ومن ذلك فهم المرأة في سياق التنشئة في الحلية وكيف أن الزينة المخالفة للشرع لا تعني دائماً (هيت لك) حتى لا تتفاقم الأمور. من المهم مواجهة أسئلة الجيل الجديد والمراهقين الصغار تحديداً، فقد سألوا كثيراً من الأسئلة حول نساء السوبر، وقد تلقوا كثيراً من الأجوبة التي تضرب في عمق الوعي وقد تذهب به بعيداً في الاتجاه الخطأ. إنه دور العلماء والتربويين من الجنسين لتحقيق المقاربة الصحيحة والنزول للواقع وتجنب الوثوقية الزائفة.