دعت الأممالمتحدة إلى جمع 861 مليون دولار لدعم بغداد في التصدي للأزمة الإنسانية الناجمة عن قتال تنظيم «داعش» الإرهابي، بينما قدَّرت الحكومة العراقية احتياجاتها بأكثر من مليار ونصف المليار دولار لمساعدة نحو 10 ملايين شخص. وأكدت الحكومة، برئاسة حيدر العبادي، أنها ستموِّل أقل من 43% من المبلغ المطلوب (1.56 مليار دولار) عبر الميزانية العامة، مُطالِبةً بمساعدتها. وأقرَّ وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم محمد الجاف، بعدم كفاية المخصصات المحددة في الميزانية لمواكبة تزايد الاحتياجات. وتوقَّع، في تصريحاتٍ صباح أمس، إسهام الأممالمتحدة في تدبير جزءٍ من التمويل اللازم لسدِّ العجز. وتراجعت إيرادات بلاده مع تدنّي أسعار النفط العالمية. بدورها؛ أطلقت الأممالمتحدة نداءها لجمع 861 مليون دولار. ورجَّحت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية، ليز جراند، اتساع الأزمة وازديادها سوءًا خلال الأشهر المقبلة. ويُتوقَّع فرار أعداد كبيرة من المدنيين من مدينة الموصل (شمال العراق) عندما تشن القوات الحكومية هجوماً لاستعادتها العام الجاري. وبعدما أطلقت النداء الأممي من بغداد؛ لاحظت المنسقة جراند أن «عدد الناس المحتاجين للمساعدة في تزايدٍ فيما يتناقص حجم الموارد، ولهذا هناك عجزٌ كبيرٌ بحق، وما نحاول القيام به بوضوح هو تحديد الأولويات». وقدَّرت الأممالمتحدة عدد العراقيين المحتاجين إلى مساعدة عاجلة ب 10 ملايين شخص بينهم 3.3 مليون شخص نزحوا جرَّاء القتال مع «داعش» منذ عام 2014 وربع مليون شخص من سوريا المجاورة فرّوا من الحرب المندلعة منذ 5 أعوام. ويُمثِّل الأطفال نصف النازحين. وكانت حكومة العبادي أعلنت العام الماضي تخصيص نحو 850 مليون دولار لجهود إيواء العائلات ومساعدتها على العودة إلى المناطق المحرَّرة، لكنها موَّلت في نهاية الأمر أقل من 60% من الجهود. وبالنسبة للأمم المتحدة؛ فإن خطتها ترتبط بمبلغ 4.5 مليار دولار تعتبره ضرورياً لتلبية الاحتياجات الإنسانية. ووفقاً للخطة؛ لا يتناسب المبلغ المطلوب مع إجمالي احتياجات العراقيين «لكنه يعكس بدقة الحد الأدنى اللازم لمساعدتهم على النجاة من الأزمة». واستولى التنظيم الإرهابي على نحو ثلث أراضي العراق في الشمال والغرب العام قبل الماضي، لكن القوات الحكومية والكردية إضافةً إلى ميليشيات تمكَّنت من دفعه إلى التقهقر بدعمٍ من غارات جوية يشنها التحالف الدولي ضد الإرهاب. وأغلب النازحين الذين يقيمون في مخيماتٍ مؤقتةٍ ومبانٍ مهجورةٍ في بغداد والمنطقة الكردية ينتمون إلى السنَّة. وتوقع الوزير الجاف تمكُّن 200 ألف عائلة من العودة إلى ديارها هذا العام. وشدد على ضرورة مشاركة المجتمع الدولي في سدِّ العجز. إلى ذلك؛ اعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية أن عمليات خطف وقتل واعتداء على ممتلكات نفَّذها مقاتلون شيعة مدعومون من إيران ضد عشرات المدنيين السنَّة في شرق العراق هذا الشهر قد تصل إلى جرائم حرب. وانتشر المقاتلون الشيعة، المنتمون إلى ميليشيات «الحشد الشعبي»، هذا الشهر في بلدة المقدادية التابعة لمحافظة ديالى على مسافة 80 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة بعد تفجيرين قُتِلَ فيهما 23 شخصاً. وحمَّلت «هيومن رايتس ووتش»، ومقرها نيويورك، أعضاء في منظمة «بدر» وجماعة «عصائب أهل الحق» المسؤولية عن هجمات انتقامية و»انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي». واعتبر نائب مدير المنظمة في الشرق الأوسط، جو ستورك، أن المدنيين دفعوا مرة أخرى ثمن الفشل في احتواء الميليشيات الخارجة عن السيطرة. ودعا ستورك الدول التي تدعم قوات الأمن العراقية وقوات «الحشد الشعبي» إلى الإصرار على وضع حدٍ للانتهاكات القاتلة. و»بدر» و»عصائب أهل الحق» من الفصائل الرئيسة في «الحشد الشعبي» العامل تحت إمرة الحكومة. ونفَّذ التحالف الدولي ضد الإرهاب، الذي يضم دول غربية وعربية، آلاف الغارات الجوية على أهدافٍ ل «داعش» على مدى ال 18 شهراً الماضية، وقدَّم التدريب والمساعدة للقوات الحكومية، فيما تدعم طهران «الحشد الشعبي» خصوصاً. ومن شأن أحداث المقدادية زيادة التحديات التي تواجه رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الساعي إلى كسب السنَّة في صفِّه في المعركة ضد «داعش». ونقلت «هيومن رايتس ووتش» عن سكان من السنة في البلدة قولهم إن مقاتلين شيعة كانوا وراء هجمات على منازلهم ومساجدهم وأبناء طائفتهم. وتحدث نواب سنَّة في البرلمان العراقي، في وقتٍ سابقٍ هذا الشهر، عن أكثر من 40 شخصاً قُتِلوا وعن إلقاء قنابل حارقة على 9 مساجد على الأقل في ديالى. في المقابل؛ وصف المقاتلون الشيعة أعداد القتلى ب «غير صحيحة»، وقالوا إن الهجمات على السنَّة تستهدف إذكاء التوترات الطائفية في محافظة واقعة على الحدود مع إيران ويسكنها خليط من الطائفتين المسلمتين. وكانت الحكومة أعلنت النصر على المتطرفين في ديالى قبل نحو عام، لكن مجموعات تابعة ل «داعش» ظلت نشطة هناك. في سياق آخر؛ أفاد متحدثٌ بأن وفداً من كبار المسؤولين في كردستان (شمال العراق) أجرى محادثاتٍ أمس مع الحكومة بعد تحذيراتٍ من انهيار اقتصادي في الإقليم شبه المستقل. وتعتمد الحكومتان المركزية والإقليمية على عائدات صادرات النفط المتأثرة بانخفاض شديد في الأسعار العالمية للخام. وتوترت العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة بسبب خلافات حول حصة الأكراد من الموازنة العامة واقتسام إيرادات النفط. واجتمع الوفد الكردي بقيادة رئيس وزراء كردستان، نيجيرفان برزاني، مع رئيس الوزراء العبادي ومسؤولين حكوميين آخرين. وتناول جدول الأعمال مجموعة واسعة من القضايا منها الأمن والتمويل والسياسة والجيش، بحسب المتحدث الكردي، سافين ديزاي. وفي وقت سابق هذا الشهر؛ حذر نائب نيجيرفان برزاني، قباد الطالباني، من أن كردستان مهدَّد بالغرق في «تسونامي اقتصادي». وشهدت الإقليم حالة ازدهار في أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003، إذ حصلت على نصيب من إيرادات صادرات النفط المتزايدة. لكن بغداد قطعت التمويل في عام 2014 بعدما أنشأ الأكراد خط أنابيب خاصاً بهم يصل إلى تركيا وبدأوا في تصدير النفط دون موافقة الحكومة المركزية في إطار سعيهم لتحقيق استقلال اقتصادي. وزادت صادراتهم منذ ذلك الحين إلى ما يزيد على 600 ألف برميل يومياً. لكن مع تراجع أسعار الخام؛ ظهرت أزمة ديون ولم تُدفَع مرتبات الموظفين العموميين منذ 5 أشهر. وربط قباد الطالباني بين تراجع سعر برميل النفط إلى ما دون 30 دولاراً وتضرُّر جهود محاربة المتطرفين. وقدَّرت بغداد عجز موازنة عام 2016 بنحو 24 تريليون دينار. ميدانياً؛ أبلغ قائدٌ عسكري محلي عن تحقيق القوات التابعة للحكومة المركزية تقدماً في مواقع المتطرفين في الرمادي أمس الأول. وكانت وحدات مكافحة الإرهاب الخاصة أخرجت الشهر الماضي مسلحي «داعش» من معظم أنحاء المدينة الواقعة في سهل الفرات غربي بغداد بعد حصارهم ل 6 أشهر. وأكد قائد لواء الرد السريع الثاني في الشرطة الاتحادية، العميد مهدي عباس، تقدُّم القطاعات بصورةٍ جيدةٍ لضرب أوكار التنظيم الإرهابي. والرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، هي أكبر مدينة تستعيدها السلطات منذ اجتاح التنظيم مساحات واسعة من الأراضي في منتصف 2014.