في حلقة الأمس من حوار «الشرق» مع أول رئيسٍ لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني اللواء مصباح صقر، والملقب ب «الشهيد الحي»، كشف «صقر» عن تعاون أمني غير معلن بين ضباط فلسطينيين وأجهزة أمنية إسرائيلية، يقدم بموجبه الطرف الأول معلومات دقيقة عن فصائل المقاومة ضد الاحتلال، مقابل الحصول من الطرف الثاني على امتيازات وتسهيلات. في الحلقة السادسة والأخيرة من حواره مع «الشرق»، يضع اللواء صقر تصورا متكاملا لكيفية إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطينية، معتبرا أن جهود المصالحة بين فتح وحماس لن تنجح إلا بإصلاح الأمن. ويرى «صقر» وجوب إعادة بناء أجهزة الأمن الفلسطيني وفق معايير مهنية واضحة، أبرزها العمل على حياد الأجهزة واستقلالها عن الحركات السياسية. ويدعو «صقر» لتشكيل لجنة تشرف على إصلاح القطاع الأمني على أن تضم ممثلين عن فتح، وحماس، وبقية الفصائل الفلسطينية ومستقلين، متوقعا أن تحاول إسرائيل التدخل في هذا الملف الشائك لتحقيق مصالحها مستخدمةً المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية كورقة ضغط. مصباح صقر وياسر عرفات (الشرق)
غزة – محمد أبوشرخ، سيد زكريا إسرائيل ستحاول التدخل في ملف إعادة بناء أجهزتنا الأمنية نحتاج لخمسين ألف عنصر أمن بعيدين عن الانتماءات السياسية تشكيل لجنة أمنية مستقلة سيضمن عدم انحراف الأجهزة مجدداً نقدي لياسر عرفات لا يمنعني من تقديره كزعيم وطني محترم بعد خمس حلقات من حوار «الشرق» مع أول رئيسٍ لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، اللواء مصباح صقر، الملقب ب «الشهيد الحي»، كان من الصعب علينا اختيار محور الحلقة السادسة والأخيرة، فحجم المعلومات الذي يمتلكه اللواء صقر أكبر من أن يُختَصر في ست حلقات، وذاكرته المحتفظة بالتفاصيل الدقيقة للموضوعات كانت تدفعنا دوماً لمزيد من الأسئلة للوصول إلى ما وراء الأبواب المغلقة في مستودع أسراره، لنقدمه لقرّاء «الشرق». وأمام هذا المعطى فضّلنا أن تكون هذه الحلقة خلاصة لتجربة الرجل الطويلة في العملين العسكري والأمني، التي امتدت لحوالى خمسين عاماً، مرّ فيها بمراحل نضالية مختلفة، كان شاهداً خلالها على التجارب المشرقة والسلبيات المعيقة، فحوّل هذه الخبرة الطويلة والفريدة إلى توصيات أراد أن تكون بمثابة الدليل لأي محاولة إصلاحية جادة تستهدف إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في إطار تطبيق اتفاق المصالحة الوطنية. إعادة البناء يبدأ صقر حديثه في هذه الحلقة عن مرحلة إعادة البناء، فيقول «بدون إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس مهنية سليمة تعيد لها دورها الوطني فلا مجال لنجاح أي اتفاق للمصالحة»، خرجت الكلمات بذات الهدوء والرصانة والدقة التي اعتدنا عليها من اللواء صقر طوال الحلقات الخمس. هذه المرة تصاحب كلماته نظرة ثاقبة من عينيه تنم عن خطورة ما يتحدث عنه، ثم يكمل «ملف إعادة بناء الأجهزة الأمنية هو ملف شائك ومعقد، ومن سيتصدر له سيواجه ميراثاً ثقيلاً مفعماً بالعقبات والمشكلات والتجاوزات المتراكمة التي شكلت بدورها واقع الأجهزة الصعب، وانعكست سلباً على أدائها، منذ اللحظات الأولى لبنائها على أسس غير سليمة». ويتابع قائلاً «ثم جاء الانقسام ليضيف عبئاً جديداً وصل حد تغيير العقيدة القتالية للأجهزة الأمنية حسب المنظورين الأمريكي والإسرائيلي، لذلك لن تتم هذه العملية بين يوم وليلة، بل تحتاج لسنوات عديدة من الجهد المكثف والإعداد والتجهيز القائم على خطة عمل وبرامج إصلاح دقيقة ومقدرة زمنياً ومالياً». وقبل كل شيء، يرى صقر وجوب تحقق توافق بين الفرقاء الفلسطينيين على بلورة مفهوم أمني مشترك يصلح لوضع سياسة أمنية شاملة يرضى بها الجميع، ومعززه بإرادة سياسية حقيقية ولديها إصرار على إنجاح عملية الإصلاح. ويؤكد اللواء صقر أن المهمة وإن كانت صعبة فهي غير مستحيلة، ورأى أن التوافق بين الفصائل الفلسطينية على المعايير المهنية والفنية، التي سيتم من خلالها تنظيم عملية إعادة بناء هذه الأجهزة، يشكل من وجهة نظره المدخل السليم لنجاح المهمة ومجابهة تحدي التدخل الخارجي. لكنه يربط بين وضع هذه المعايير ووجود لجنة أمنية متخصصة، تبتعد بها كل البعد عن الفكر الحزبي أو المصلحي الضيق الذي صاحب مسيرة هذه الأجهزة منذ بداية عهد السلطة الفلسطينية، والذي أوصلها في النهاية إلى هذا الواقع الأمني الذي لا تحسد عليه. ويقترح اللواء صقر أن تتشكل هذه اللجنة من أربعة أقسام متساوية، يمثل كلا منها الجهات التالية: حركة فتح، حركة حماس، بقية الفصائل الفلسطينية والمستقلين، كي لا تنفرد حركتا فتح وحماس بعملية إعادة بناء الأجهزة الأمنية، وهو ما يمكن أن ينحرف بهما نحو المحاصصة. حياد الأمن حلاً يعدل صقر من جلسته ويلتقط نظارته الطبية، ثم يشير إلى أوراقه التي لم تفارقه منذ الحلقة الأولى، ويستطرد «في كل مواقفي وكتاباتي عن الأجهزة الأمنية منذ الكتيب الأول (ملاحظات على هامش التجربة – فبراير 1996)، ووصولاً إلى كتاب (إصلاح الأمن الفلسطيني – إبريل 2011)، كنت حريصاً على ضرورة الحفاظ على استقلالية الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولم أفوِّت فرصة لرفع هذه التوصية للرئيس عرفات منذ أول لقاء لي معه عام 1994، منبهاً إلى خطورة تسييس الأجهزة، لكن مع الأسف ضاعت هذه الكلمات في زحام إصرار القيادة السياسية على صبغ هذه الأجهزة بلون فصائلي واحد هو لون الحزب الحاكم». وحتى مع صدور القانون رقم (8) لعام 2005، الذي يحظر على العسكريين الانتماء للأحزاب السياسية، ويضع قيوداً على أي مشاركة لهم في السياسة، فإن هذا القانون، وفقما يحكي صقر، بقي حبراً على ورق لحين حدوث الانقسام الذي أسهم هو الآخر في تعزيز تسييس هذه الأجهزة، ففي الوقت الذي مازالت فيه فتح تسيطر على الأجهزة في الضفة الغربية، فإن حماس بالتالي باتت تسيطر على الأجهزة في قطاع غزة. وتمثل هذه الحيادية بالنسبة للواء صقر الطريق الوحيد لضمان نزاهة الأجهزة الأمنية في تطبيق القانون بحذافيره على الجميع، بعيداً عن النزعات الفصائلية وتناقضاتها. لكن ذلك لن يتأتى بدون إعادة النظر في مجمل المنظومة القانونية الخاصة بالأجهزة الأمنية، التي تنظم عملها وتحدد صلاحيتها ومهامها ومرجعيتها، وذلك من قبل المجلس التشريعي. ويتطرق صقر إلى دور رئيس السلطة الفلسطينية، إذ يعتقد بوجوب تحديد دوره على نحو يحد من تدخله بحكم صلاحياته الواسعة في عمل المجلس التشريعي، بما يكفل له ممارسته دوره الرقابي المهم، * «الشرق»: لكن سيادة اللواء لماذا يتم تأجيل ملف إصلاح الأجهزة الأمنية دائماً إلى المراحل الأخيرة من المصالحة كما هو الحال الآن؟ يجيب صقر: لأن ملف الإصلاح الأمني شائك وحساس للغاية وقابل للانفجار في أي وقت، وبخاصة أن عدة أطراف إقليمية ودولية تتدخل فيه، بما فيها إسرائيل، وتحاول أن تفرض ما يحقق مصالحها، وتستخدم المساعدات المالية للسلطة كورقة ضغط كي يبقى الوضع في هذه الأجهزة تحت السيطرة كما هو عليه الآن، ولا تنسوا أن الأجهزة الأمنية بطبيعتها كقوة مسلحة وقهرية ستظل مطمعاً للهيمنة عليها من قِبل الفصائل المتصارعة على الساحة، وخشية أن يسخرها أي منهما ضد الآخر كما حدث ذلك من قبل. ويتساءل صقر «كيف يمكن أن نصلح الأجهزة الأمنية في ظل التنسيق الأمني المتزايد بلا مبرر سوى التمسك باتفاقيات أدارت لها إسرائيل ظهرها، علماً بأنه وكما يعرف ذلك الجميع يصب في اتجاه واحد هو مصلحة إسرائيل؟»، متوقعاً أن يبقى هذا الأمر شوكة في حلق أي جهود تبذل لإنجاز التوافق على الإصلاح، ما لم يُضبط التنسيق الأمني بحيث يخدم المصلحة الفلسطينية الوطنية. * »الشرق»: لكن سيادة اللواء هل الأجهزة الأمنية بحاجة لهذا العدد الضخم من الأفراد، خاصة وأن عددهم تزايد كثيراً في ظل الانقسام؟ بالطبع لا، ولهذا يجب على اللجنة الأمنية العليا التي ستتولى الإشراف على إعادة بناء الأجهزة الأمنية أن تضع برنامجاً خاصاً بما نسميه إعادة ملاءمة حجم القوات أو الأجهزة للتخلص من هذا التضخم الوظيفي والبطالة المقنعة المتفشية داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومن ثم تحديد أعدادها وفقاً لمعيارين أساسيين هما: الاحتياجات الأمنية الفلسطينية الحقيقية، والإمكانات المالية المتوفرة للسلطة، التي تضمن استمرار الإنفاق عليها دون الحاجة لتدخل من الدول المانحة في قرارها وعملها. ويقدر صقر عدد القوات التي تحتاجها الأجهزة الأمنية الفلسطينية بأربعين ألفاً أو خمسين ألف عنصر أمن على درجة عالية من المهنية والانضباط والفعالية والجاهزية، «لكن في المقابل ينبغي أن تعد اللجنة الأمنية برامج التأهيل والتدريب المهني المناسب، سواء للعناصر التي ستستمر في الخدمة أو تلك التي سيتم الاستغناء عنها لدمجها في مؤسسات ومجالات أخرى»، بحسب صقر. الأغراب .. والثوار * «الشرق»: سيادة اللواء، اسمح لنا أن نسألك عن عشرات الضباط الفلسطينيين الذين يمتلكون كفاءات وخبرات طويلة لكنهم هُمِّشوا خلال الفترة الماضية، كيف يمكن أن يكون لهم دور في عملية الإصلاح؟ وإلى أي درجة لعب نعت «الأغراب»، الذي تحدثت عنه في كتابك الأول «ملاحظات على هامش التجربة «، دوراً في تغييبهم عن المجال الأمني طوال السنوات الماضية؟ للمرة الأولى بدا التأثر البالغ على وجه اللواء صقر من أحد أسئلتنا، وخِلنا أنه فوجئ به، أو سيعتذر عن الإجابة عنه، لكنه استقوى على عاطفته، وقال «الحقيقة أنكم فاجأتموني بهذا السؤال، لأنه يذكرني بواقعة شخصية مؤلمة ما كنت أود أن أنهي حواري معكم بها لحساسيتها من ناحية، ولأنها تثير الحزن لدي من ناحية أخرى». ويكمل صقر «رغم ذلك سأروي لكم هذه الواقعة، لأنها ذات دلالة مهمة ينبغي أن نستخلص منها العبر، فمنذ سنوات ما قبل السلطة الفلسطينية وحتى اليوم مازالت هناك حساسية متبادلة كامنة تحت الرماد بين القادة والضباط والعناصر الذين تعود جذور انتمائهم إلى جيش التحرير الفلسطيني، وبين أولئك المؤطرين تنظيمياً منذ البدء كثوار في الفصائل الفلسطينية، إلى الحد الذي نعت فيه هؤلاء إخوانهم في جيش التحرير ب»المرتزقة»، بل وبما هو أخطر من ذلك. ويتابع قائلاً «وبعد قيام السلطة الفلسطينية ظننت أن هذه الحساسية قد خمدت بحكم طبيعة ومتطلبات المرحلة، لكني أثناء ترأسي لجهاز الأمن الوقائي، ومن خلال العديد من التذمرات والشكاوى التي وصلتني، تأكد لي أن أبناء جيش التحرير الفلسطيني، خاصة من بقي منهم دون تأطير حزبي أو فصائلي، مازالوا يعانون من التهميش وعدم المساواة، بعد واستأثر أبناء الحزب الحاكم وقتها بكل المناصب المهمة في جميع مؤسسات السلطة الفلسطينية، حتى لو كانوا غير مؤهلين لها، وحتى أعزز ما أقول بالدليل سأذكر لكم واقعتين؛ إحداهما حدثت معي شخصياً والأخرى وقعت لنخبة من كبار الضباط الفلسطينيين». يتوقف اللواء صقر لفترة قصيرة عن الحديث، وكأنه يستجمع فيها كل تفاصيل الواقعتين، ثم يفتح كتاب (على هامش التجربة) ويبدأ تقليب صفحاته إلى أن يصل إلى صفحة محددة، يقرأ منها بصوت بدا عليه التأثر الشديد «من هم الأغراب»، ثم يكمل «بعد أن أنهيت كلمتي الترحيبية بحشد من المنتسبين الجدد لإحدى الدورات الأمنية، دعوتهم فيها للتوحد وعدم التمييز، والابتعاد عن الشللية أو الجهوية وثقافة الأبوات وتقديس الفرد، ومن ثم انصرفت من المكان، فبدأ الرائد تنظيمي وقتها رشيد أبوشباك يخاطب الشبان مسفّهاً مضمون كلمتي، إلى أن تجرأ بنعتي وأمثالي من ضباط جيش التحرير بالأغراب، وهذا النعت سبقته نزعة مماثلة من قِبل دحلان ومحسوبيه في الجهاز، حيث أشاعوا بعد توتر العلاقة بيني وبين الرئيس عرفات بأنني من بقايا جيش التحرير الفلسطيني، رغم علمهم الأكيد بأنني من أوائل الضباط الذين انتظموا في صفوف حركة فتح عام 1965». ويضيف «هذه الحادثة وقعت مع قائد لجهاز من مرؤسيه، فما بالك بالضباط والأفراد الذين كانوا يخدمون تحت قيادة شخصيات متمردة ومنفلتة من هذا النوع، وقد نبهت الرئيس عرفات من مغبة السكوت على تفشي وتنامي هذا التمييز في كتابي (على هامش التجربة)، لكن احتواء الكتاب على نقد مباشر له جعله يقفز عن كل ما احتواه من رغبة حقيقية في الإصلاح، ويفسح المجال واسعاً للدس والوقيعة، لأنه لم يعتد على تقبل النقد حتى لو كان بنّاءً، خاصة إذا جاء من العسكريين». يغلق اللواء صقر الكتاب الذي استشهد به خلال روايته الواقعة الأولى، ويخلع نظارته الطبية، ثم يبدأ في رواية الواقعة الثانية «زارني في مكتبي صباح أحد الأيام ممثلون لعدد من كبار الضباط الفلسطينيين برتبة عميد وعقيد ممن أنهوا خدمتهم العسكرية في الجيش العراقي، وأبلوا بلاءً حسناً في الحرب العراقية الإيرانية، وحازوا على إثر ذلك أرفع الأوسمة والنياشين، وأبدوا لي رغبتهم في تسخير خبراتهم لخدمة وطنهم في مجال تخصصهم، وبصراحة شعرت وقتها بأنني ظفرت بكفاءات قتالية وأمنية فريدة لابد من استثمارها في تأسيس وتطوير أجهزتنا الأمنية، خاصة وأن هناك بعض الضباط لدينا ممن تسلموا مناصب رفيعة في الأمن غير مؤهلين عسكرياً أو أمنياً». يكمل صقر «بعد خروجهم من مكتبي ذهبت ومعي كشف بأسمائهم ومؤهلاتهم لمقابلة الرئيس عرفات، يحدوني الأمل بتعيين بعضهم في الجهاز، وكانت المفاجأة بعدم استجابته لمطالبي، فتركت الأسماء لديه عسى أن يعيد النظر في الأمر، فإذا بي أبلغ بعد عدة أيام بأنه تم تعيين من قُبِلَ منهم في وظائف مدنية لا تتناسب إطلاقاً مع رتبهم، ولا خبراتهم الطويلة في المجال الأمني». عند هذه النقطة من الحوار يتنهد اللواء صقر مخفياً ألمه ويواصل حديثه «على سبيل المثال تم تعيين ضابط برتبة عميد أركان حرب مسؤولاً بدرجة مدير دائرة عن مشتل تابع لوزارة الزراعة، وظل يقضي سحابة يومه بلا عمل حقيقي سوى مناجاة الأشتال اليانعة، خيبة أملي الحقيقية تمثلت في هدر مثل هذه الطاقات المتميزة على الصعيدين المدني والعسكري؛ مما أدى بالضرورة إلى عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لاعتبارات شخصية أو سياسية». * «الشرق»: سيادة اللواء، بماذا تحب أن تنهي حوارك معنا؟ صقر: أحب أن يعلم القارئ الكريم أن كل ما ورد على لساني في هذه الحلقات من نقد بنّاء، خاصة ما يتعلق منه بالرئيس الراحل ياسر عرفات، لن يغيّر من قناعاتي بأنه زعيم وطني كبير له وعليه، لكنه في جميع الأحوال يستحق التقدير والاحترام من كل أبناء شعبه. محطات في حياة اللواء مصباح صقر إقناع إسرائيل بمقتل قائد «قوات التحرير الشعبية» في قطاع غزة لم يكن سهلا على الإطلاق من قبل مؤسسة أمنية محترفة، حتى مع الإعلان الرسمي عن ذلك من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وحتى مع إصدار شهادة وفاة له، وإقامة عزاء له، وإصدار حصر إرث ليتم بموجبه توزيع تركته، فبدون جثة وتفاصيل دقيقة لحادثة الاستشهاد ظل اسم «مصباح صقر» مقلقا جدا للإسرائيليين، الذين ظلوا يبحثون عن أي دليل يثبت باليقين موته أو بقاءه حياً. ويؤكد «صقر» أن الإسرائيليين لم يستطيعوا الحصول على أي معلومة عنه لأكثر من 14 عاماً كاملة، على الرغم من استمرار اتصاله بالقيادة، بسبب ضيق دائرة من يعرفون بوجوده حيا؛ إلى أن أصدر الرئيس «عرفات» في 1-11-1984 قرارا سريا بتعيينه قائدا لساحة الداخل في قطاع غزة، فبعد هذا القرار الذي كان من السهل على المخابرات الإسرائيلية العلم به، بسبب قدرتها الاستخبارية العالية، تيقنت إسرائيل من بقائه على قيد الحياة، وبدأت بالضغط على أقاربه للحصول على معلومات عنه، وأظهر صقر ل»الشرق» وثيقة تؤكد ذلك، لكنها فشلت أيضا في الوصول له على مدى عشر سنوات أخرى، إلى أن أصدر الرئيس «عرفات» قرارا علنيا هذه المرة في 14-5-1994، يكشف فيه عن تعيين «اللواء مصباح صقر» رئيسا لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، وهو الخبر الذي نزل كالصاعقة على أجهزة الأمن الإسرائيلية التي فشلت تماما في الوصول إليه، وليطلق عليه «عرفات» منذ ذلك الحين لقب «الشهيد الحي».