في حلقة أمس من قصة حياة أول رئيس لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، اللواء مصباح صقر، الملقب ب”الشهيد الحي”، كشف صقر أسباب هزيمة الأجهزة الأمنية الفلسطينية أمام كتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في مواجهات يونيو 2007، التي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة. وفي حلقة اليوم من قصة حياة “الشهيد الحي”، التي تنفرد “الشرق” بنشرها على لسانه، يؤكد اللواء مصباح صقر أن ضباطاً وقادة أمن فلسطينيين فتحوا قنوات اتصال غير رسمية مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأمدوها بكل ما تحتاجه من معلومات عن فصائل مقاومة الاحتلال، مقابل حصولهم على امتيازات. ويوضح صقر أن التنسيق الأمني بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بلغ أعلى درجاته بعد سيطرة حماس على غزة دون اعتبار للمصلحة الوطنية الفلسطينية، حسب قوله. ويرى صقر أن السلطة الفلسطينية ظلمت نفسها بالموافقة على اتفاقيات أمنية لم تلتزم بها قوات الاحتلال، لافتاً إلى ضرورة وقف الخوض فيما أسماه مستنقع “التنسيق الأمني” مع الإسرائيليين. مصباح صقر وياسر عرفات (الشرق)
غزة – محمد أبو شرخ، سيد زكريا التنسيق الأمني مع الإسرائيليين تحول إلى شراكة بعد سيطرة حماس على غزة إسرائيل كانت تعرف أماكن تصنيع الذخيرة بسبب تعامل قادة فلسطينيين معها “التنسيق الأمني” مصطلح ظهر مع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو مع إسرائيل عام 1993، ليصبح منذ ذلك الوقت المؤشر الذي تقيس من خلاله الدولة العبرية مدى التزام السلطة الفلسطينية بالاتفاقات. وبموجب هذا المصطلح وُضِعَت جميع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في خدمة تنسيق ظل طوال السنوات الماضية يصب في اتجاه واحد هو المصلحة الإسرائيلية، حتى لو دفع الثمن أفراد المقاومة الفلسطينية، أو نشطاء الأحزاب السياسية المعارضة لمسيرة التسوية، أو حتى القيادات الأمنية إذا حاولت القيام بما يعد في إطار التنسيق الأمني “مساسا بأمن إسرائيل”. وإذا كان ياسر عرفات عد التنسيق الخيار الوحيد لتقدم عملية التسوية، فإن المفكر الفلسطيني ادوارد سعيد كان من أبرز من حذروه منه، حيث رآه وسيلة لقمع المعارضة. ودون التوقف أمام وجاهة أي من هذين الرأيين، فإن اللواء مصباح صقر، الذي يتحدث في الحلقة الخامسة من حواره الخاص ل”الشرق” عن مصطلح “التنسيق الأمني”، يعتبر أن السلطة الفلسطينية بموافقتها على بنود الاتفاقيات الأمنية وآلياتها ظلمت نفسها بالتزامات صارمة أحادية الجانب عجزت إسرائيل ذاتها عن تحقيقها. تنسيق من طرف واحد يكشف صقر، أول رئيس لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، عن المدى الذي وصل إليه هذا التنسيق الأمني بين الطرفين، وأسرار تحوله من مجرد بند في الاتفاقيات مع إسرائيل إلى عقيدة عسكرية تنفذها الأجهزة الفلسطينية بغض النظر عن التزام الطرف الآخر ببنود هذه الاتفاقيات أو فشل المفاوضات وتعثر التسوية. “الطرف الفلسطيني يقدم كل شيء في مقابل لا شيء”، بهذه الجملة الدقيقة يلخص صقر مدى الإجحاف في عملية التنسيق الأمني، وهو ما اتضح له منذ بداية عمله كقائد لجهاز الأمن الوقائي، حيث اكتشف سعي الإسرائيليين لترسيخ اختلال التوازن بكل السبل، بما في ذلك إبعاد أي شخص لا يرضون عنه عن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، خاصة لجان الارتباط الأمنية المشتركة، إذا ما فكر في معارضة ما يملونه حتى لو خالف الاتفاقيات. ويكمل صقر، وهو يتحدث عن نص البروتوكول الملحق باتفاق القاهرة الموقع عام 1994 المتعلق بالتنسيق الأمني والمشار إليه في كتابه “إصلاح الأمن الفلسطيني”: “نصوص مواد هذا الاتفاق وما تلاها من اتفاقات أمنية شددت القيود على عمل كل الأجهزة الفلسطينية، فلا مجال لأي عمل في هذه الأجهزة منذ اللحظات الأولى لميلادها لا يخدم الأمن الإسرائيلي أو المصلحة الإسرائيلية، وإذا تأملتم المادة العاشرة من اتفاقية أوسلو ستجدون أنها تربط بشكل مباشر بين دخول الاتفاق حيز التنفيذ وبين تشكيل لجنة الارتباط المشتركة الإسرائيلية الفلسطينية”. ويتابع صقر حديثه: “مع كل اتفاقية جديدة كان يضاف قيد أمني جديد، ففي اتفاقية واشنطن عام 1995 على سبيل المثال يوجد نص صريح يلزم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمحاربة الإرهاب والعنف ومنع التحريض عليه، أما اتفاقية واي ريفر نهاية التسعينيات فكانت أكثر صرامة لاعتبارها الفصائل الفلسطينية المقاومة منظمات خارجة عن القانون، وهو ما وضع السلطة الفلسطينية بجميع أجهزتها في مواجهة وصراع مع هذه الفصائل بما فيها حركة حماس، وأعطى مبرراً لأجهزة الأمن الإسرائيلية للإلحاح المستمر في طلب معلومات عنها وعن كوادرها للاستفادة منها في توجيه الضربات لها”. ويشير صقر في هذا الخصوص إلى توقعات الباحث الأمريكي في معهد الدراسات الإستراتيجية ستيفن بللتيير المتعلقة باستمرار السلطة الفلسطينية في لعب دور الشرطي بالوكالة لقمع الانتفاضة وسحق المقاومة، ووقوعها تحت تهديد إسرائيل بالتراجع عن التزاماتها إذا لم تتحقق مطالبها. وعلى الرغم من الضغوط الداخلية التي بدأت تتعاظم على السلطة الفلسطينية في ظل امتلاء سجونها بكوادر التنظيمات المعارضة وتعرضهم للتعذيب وربما الموت خلال التحقيق، يؤكد صقر أن توقعات الباحث الأمريكي سالف الذكر تحققت بالفعل، حيث تراجعت إسرائيل عن التزاماتها المتعلقة بالانسحاب عن المزيد من الأراضي، بل وعادت لاحتلال ما سبق أن انسحبت منه، فضلا عن التصعيد الذي بدأ بفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية، وانتهى باحتلال الضفة الغربية وتدمير مقرات الأجهزة الأمنية، واستباحة المدن والقرى. ويضيف صقر، وهو يواصل الكلام بنبرة صوته الرصينة: “الرئيس عرفات هو الوحيد الذي تجرأ على اتخاذ قرار بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال مرتين، الأولى أوائل عام 97 عندما قررت حكومة الاحتلال بناء مستوطنة ضخمة في القدس، والثانية مع بداية انتفاضة الأقصى، صحيح أنهما كانا لفترة وجيزة استجاب بعدها عرفات للضغوط والإغراءات المالية الأمريكية والأوروبية لاستئناف التنسيق، إلا أن هذين القرارين الشجاعين يعززان وجهة نظري التي أشرت إليها في كتابي سالف الذكر من أن التنسيق الأمني هو بالدرجة الأولى حاجة أمنية إسرائيلية، ومن ثم كان على السلطة الفلسطينية استثمارها على النحو الأمثل، وهذا ما لم يحدث بدليل أن هناك الآن تمتمة في الوسط الأمني الإسرائيلي تعبر عن خشية إسرائيلية من أن يوقف الرئيس عباس هذا التنسيق الأمني. بعد إيقاف عرفات للتنسيق الأمني في المرة الأولى، كان من الصعب على الأجهزة الإسرائيلية أن تقبل توقف سيل المعلومات المتدفق من قِبَل الأجهزة الفلسطينية عن المقاومة ولو ليوم واحد، خاصة بعد سلسلة العمليات التي شنتها حركة حماس وبقية فصائل المقاومة داخل العمق الإسرائيلي ردا على اغتيال الشهيد يحيى عياش. كان الحل، كما يوضح صقر، في وجود طرف ثالث يمتلك من الضغوط السياسية والمالية على السلطة الفلسطينية ما يمكنه من ضمان استمرار التنسيق الأمني، لذا دخلت وكالة المخابرات الأمريكية كوسيط مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع مطلع عام 97، وهو ما تحول إلى مشاركة أمريكية حقيقية في أكتوبر عام 1998 عندما أصبح التنسيق يتم تحت إشراف لجنة ثلاثية يرأسها المنسق الأمريكي وفقا لاتفاقية واي بلانتيشن، التي أكدت على ضرورة اجتثاث خلايا المقاومة من جذورها والسيطرة على عمليات تهريب السلاح لها فضلا عن استمرار جمع المعلومات عنها. تنسيق سري لكن صقر يكشف عن حقيقة غاية في الأهمية، إذ يشير إلى حرص إسرائيل على استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية في ضخ المعلومات، عبر فتح قنوات خاصة مع قادة وضباط فلسطينيين بعيدا عن لجنة الارتباط والتنسيق المشتركة، ومن ثم قدمت لهؤلاء تسهيلات خاصة في التنقل والحصول على الامتيازات الأخرى لضمان تعاونهم معها، وهكذا تعززت عملية تزويد إسرائيل بالمعلومات عن المقاومة من خلال هذه القنوات. ويستشهد صقر بحديث دار بينه وبين أحد قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية -تحفظ على اسمه- في بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، ففي ذلك الحين أرسل صقر، الذي كان قد ترك العمل الأمني منذ أربع سنوات تقريبا، خطابا إلى عرفات، أطلع “الشرق” عليه، أوضح فيه استعداده في تلك اللحظات الفارقة التي يتعرض فيها الوطن للهجمة الإسرائيلية الشرسة للإسهام مع زملائه في الدفاع عنه، وفي أي موقع يراه عرفات، وأنه إذ يطلب منه ذلك فهو لا يطمح في أي منصب كان بل سيعود إلى منزله فور انتهاء المواجهة. وافق عرفات على طلب صقر ودعاه إلى التوجه لمقابلة هذا القائد، فاكتشف من خلال الحوار معه عدم جاهزية القوات القتالية أو كفاية الأسلحة والذخائر والعتاد، وأن أية محاولة تمت لإنتاج بعض الذخائر محليا أُجهِضَت لقيام إسرائيل بقصف مكان التصنيع بمجرد إبلاغها به من قِبَل أمنيين فلسطينيين. لكن التطور الأكثر دراماتيكية، من وجهة نظر صقر، على صعيد التنسيق الأمني، حدث بعد عملية استيلاء حماس على قطاع غزة، حيث أصبح التنسيق لا يتم وفقا للاتفاقيات بل بدافع آخر هو الرغبة في الانتقام من حماس، وتطور الأمر إلى التعاون في عمليات الاعتقال، وإغلاق المؤسسات والجمعيات، ومراقبة الأرصدة البنكية وكل ما يمثل تضييقاً على جميع حركات المقاومة في الضفة الغربية، خاصة حماس، وبذلك تحول التنسيق الأمني إلى شراكة حقيقية. ويستطرد صقر في حديثه ل “الشرق”: “كان هناك اندفاع بلغ للأسف حد الاندلاق من الجانب الفلسطيني لمعاقبة حماس على الحسم العسكري في غزة، بعيدا عن أي تقدير يخدم المصلحة الوطنية، خاصة أن ذلك كان يتم بالتعاون مع جيش الاحتلال وأجهزة مخابراته، ويمكنني أن أتفهم قيام السلطة بمعاقبة حماس، لكن ذلك لا يكون أبدا بوضع يدك بيد الاحتلال والعدو، وسأضع أمامكم بعض ما ورد في محضر سري لاجتماع تنسيق أمني جرى بعد الحسم، وكشف عنه محرر إسرائيلي بارز اسمه نحوم بيرنغ في صحيفة يديعوت احرنوت في يناير 2009′′. يخرج صقر من ملفاته بعض الأوراق التي قلبها قبل أن يبدأ القراءة من الورقة المطلوبة: “ينقل الكاتب الإسرائيلي عن ضابط كبير في الأمن الفلسطيني أطلق عليه رمزيا لقب أبو الفتح قوله للضباط الإسرائيليين المشاركين في الاجتماع لقد أصبح لنا عدو مشترك هو حماس، نحن نتحرك الآن ضدها رغم أننا في شهر رمضان، لقد قررنا شن الحرب عليها لأن من يريد قتلك عليك أن تبادر بقتله، وعندها رد أحد الضباط الإسرائيليين بأنه سعيد لسماع هذا الكلام”. ويعقب صقر على ما سبق بقوله: “للأسف لم نسمع حتى الآن تكذيبا من السلطة الفلسطينية لهذه الرواية ، بل إن العديد من التقارير الإسرائيلية عززت ذلك وسأعرض عليكم ما ورد في أحد هذه التقارير”. يخرج صقر ورقة جديدة من ملفاته ويبدأ في القراءة منها: “حسب التقرير الإسرائيلي النصف سنوي للجنة التنسيق الأمني الصادر عام 2010، فإن النصف الأول لهذا العام شهد قرابة 300 اجتماع تنسيقي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بمعنى أن كل يوم قد شهد اجتماعين على الأقل، وهذا طبعا بخلاف الاجتماعات غير الرسمية وقنوات الاتصال الأخرى، حدث ذلك كله في ظل فشل المفاوضات وتوقف شبه كامل لعملية التسوية، وعدم التزام إسرائيل بأي من تعهداتها، وفي المقابل لم يحرص الطرف الفلسطيني على الحصول على أية معلومات من الطرف الإسرائيلي تخص جماعات المستوطنين الإرهابية”. ووصل الحال بهذا التطور في مستوى التنسيق الأمني إلى درجة الإشادة المتكررة من قبل القادة الأمنيين الإسرائيليين بهذا الدور، وتصديهم لأية محاولات لوقف تدفق أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، خشية أن يؤدي ذلك إلى عدم حصول أفراد الأجهزة الأمنية على رواتبهم ومن ثم على استمرارهم في العمل بنفس المستوى الحالي للتنسيق الأمني. وفي هذا الإطار ينقل اللواء صقر ما قاله أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين عاموس جلعاد، الذي قدم توصيفا دقيقا للوضع الحالي من التنسيق الأمني بقوله: “لقد حاربنا التنظيمات الفلسطينية زمنا طويلا، حيث فشلنا في الحد من تحركاتهم في إسرائيل وزعزعة أمنها، لكننا اليوم بفضل التنسيق الأمني المتواصل مع السلطة الفلسطينية استطعنا أن نحد من هذه الظاهرة، إننا نعيش الآن في أمن وأمان بفضل ذلك، لأن رئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض يرفضان العنف بحكم قناعتهما أن هذا العنف سيدمر السلطة وعملية السلام مع إسرائيل”، انتهى كلام جلعاد. هنا يتساءل صقر: “التنسيق الأمني حقق لإسرائيل ما تريد، لكن ماذا قدم لنا كفلسطينيين؟ هل تقبل إسرائيل أن تقدم للأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية معلومات عن المستوطنين المتطرفين الذين يرهبون يوميا المزارعين وأهالي القرى الفلسطينية، يحرقون مزارعهم ويقتحمون مساجدهم ويدنسونها، ويطلقون عليهم الكلاب المتوحشة؟”، معتبرا أن الفلسطينيين لم يجنوا من التنسيق الأمني سوى ترسيخ الانقسام الداخلي، والوصول لهذا الوضع الغريب والشاذ، حسب وصفه، حيث لم يتم أي لقاء فلسطيني متعلق بالمصالحة إلا وكانت الأولوية تتعلق بوقف التنسيق الأمني. ويعود صقر للاستشهاد بكلمات تعبر عن حقيقة الواقع القائم على الاستجابة الفلسطينية لكامل الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وفي هذا الصدد يشير لقول وزير الداخلية الحالي في حكومة سلام فياض سعيد أبوعلي عام 2010 بأن إسرائيل تعمل على اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية لا لشيء وبدون هدف معين، فليس لديها كما أعلنت مطلوبون في الضفة الغربية وإنما تقوم بذلك للتأكيد على وجودها في حياتنا كقوة احتلال ولأهداف سياسية “فنحن من صنعنا لهم الأمن، وهما يحتاجوننا”، انتهى كلام أبو علي. ويعقب صقر على هذه الأقوال التي تعبر عن العجز، من وجهة نظره، بأن وقف الخوض في مستنقع التنسيق الأمني إلى جانب إجراءات ومواقف فلسطينية أخرى يمكن أن يضع حدا لهذا الصلف الإسرائيلي، وهو ما يراه العديد من الباحثين العرب والأجانب ضرورة باتت تقتضيها المصلحة الوطنية لإزاحة العقبات عن طريق المصالحة الفلسطينية وللحيلولة دون تعميق الانقسام الذي يشكل أكبر تهديد على مستقبل الشعب الفلسطيني وأمنه القومي. خطورة تحول التنسيق إلى عقيدة عند هذه المرحلة يعدِّل صقر من جلسته ويعود من جديد إلى اللهجة الصارمة التي تميزه عندما يتحدث عن أمور حاسمة، ليكمل: “الأخطر من كل ذلك ما صدر عن مكتب الجنرال ايتان تنبوت منسق الأعمال الإسرائيلية في الضفة في التقرير النصف سنوى لعام 2010، الذي قال فيه بالنص إن التنسيق إلي عنصر أساسي في العقيدة الأمنية في الأجهزة الفلسطينية. ويردف صقر بنفس اللهجة: “هل تعرفون ما معنى هذا الكلام الذي يخرج عن كبار القادة الإسرائيليين؟ المنسق الأمريكي الجنرال دايتون يكشف لنا المعني بقوله إن حركات المقاومة دون استثناء هي التي تشكل العقبة في طريق قيام الدولة الفلسطينية، وبالتالي لا مناص من مواجهتها بكل قوة وتفكيك بناها التحتية من خلال التعاون المشترك بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية”. وعلى هدي هذا التوجه، كما يقول صقر، تمت عمليات غسل الدماغ والتعبئة المعنوية المستمرة والمكثفة لعناصر الأمن في الضفة الغربية بهدف استنساخ عنصر الأمن الفلسطيني الجديد الذي يتكيف مع وجود الاحتلال ويتقبله كشريك وليس كعدو، وهذا دون أن تتضمن هذه العقيدة، المنطلقة مما سمي بتفاهمات “دايتون – دحلان”، أي اعتبار للمخاطر والتهديدات الإسرائيلية المتمثلة في السياسات والممارسات الإسرائيلية، وفيما يجري يوميا على الأرض من تغيير جغرافي وديموغرافي من خلال تسارع الزحف الاستيطاني لشرذمة الضفة الغربية وسد الطريق أمام أية فرصة لقيام الدولة الفلسطينية. محطات في حياة اللواء مصباح صقر خلال وجود صقر في الأردن التقى بشيخ المناضلين “بهجت أبو غربية” عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقتها، وناقش معه إمكانية الذهاب إلى الضفة الغربية في المرحلة الأولى من عودته، وبعد نقاش طويل وافقه أبو غربية على الفكرة، وأعطاه طريقة الاتصال بشخص يمكن أن يدبر وجوده في نابلس هو المناضل ” بسام الشكعة”. ويستمر ” صقر ” في كشف المزيد من تفاصيل قصة دخوله لفلسطينالمحتلة قائلا : ” عثرنا على دليل آخر، وحرصنا هذه المرة أن ندخل في مجموعة صغيرة جدا، حتى لا نرصد بسهولة، ونجحت بالفعل في الوصول إلى نابلس، وهناك استضافني “بسام الشكعة” لفترة قصيرة، انتقلت بعدها بمعرفته لقرية “بدية”، حيث اختارها قاعدة لقيادة قوات التحريرالشعبية في فلسطين، لكني أخبرت من قبل “بسام الشكعة” بأنه يحتاج لمزيد من الوقت لتهيئة الظروف والإمكانيات للبدء في تجنيد فلسطينيين للعمل معي، لذلك قررت العودة إلى قطاع غزة لتأسيس العمل المسلح هناك، وتوليت قيادة قوات التحريرالشعبية، وتم تنفيذ عدة عمليات مقاومة أقلقت العدو وكبدته خسائر مادية وبشرية، ودفعته إلى استخدام كل إمكانياته للكشف عن التنظيم، وهو ما تمكنت من تحقيقه” . ويكشف صقر عدة أسباب تتعلق بالمستويين السياسي والعسكري نتج عنها هذه الأخطاء، منها على سبيل المثال لا الحصر حداثة التجربة في خوض حرب العصابات، حيث لم يتم تأهيل الضباط والعناصرالذين تم الزج بهم إلى داخل الأراضي المحتلة بعد حرب حزيران 67 لهذا النوع من الحروب إلا في مرحلة لاحقة وعلى نحو متواضع وغير كاف، وذلك على ضوء ما أطلع عليه “صقر” خلال وجوده في دمشق من الكتب الخاصة بتجربة حرب العصابات التي تمت في الصين وفيتنام وكوبا، والتي أشعرته بثقل المسؤولية الملقاة عليه ، ودفعته لتقديم نصيحة مباشرة لزميله ضابط المخابرات الفلسطيني الذي كان يصحبه في رحلة العودة بضرورة تدريب القوات المنوي إرسالها إلى داخل فلسطين على هذا النوع من الحرب وهو ما تم لعدد محدود من الضباط بعد ذلك، والذين تم تدريبهم على عمليات النسف والتدمير في أحد مراكز المخابرات المصرية، وهو تأهيل يتناسب مع مستوى العناصر الدنيا وليس القادة . ويكمل صقر : “بعد اكتشاف التنظيم واعتقال بعض ضباطه أصبحتُ المطلوب الأول لجيش الاحتلال في قطاع غزة، لكني نجحت في الاختفاء حتى عام 1970 حيث أعلن رسميا استشهادي، لأبدأ مرحلة جديدة من حياتي ” . صورة لصقر خلال عمله كضابط في الكتائب الفلسطينية، و يظهر في الصورة بجانب ضباط فلسطينيين ومصريين